السادة زائري مدونة : bloggers for human rights " المحترمين
التالي ... رسالة أو بالأحرى رسالتين موجهتين الى الانسان العربي في فترتين زمنيتين متباعدتين الاولى خطت قبل 5 سنوات تنتقد كلماتها الانسان العربي التائه في بحر المجهول حيث لا غاية و لا هدف .و الثانية تأتي بعد ان تحرر ذاك الانسان من رهبة الخوف و الاستبداد و كسر قيود الذل تحثه على متابعة المسير و بناء مستقبله بخطى الواثق الطامح لبناء ذات و مجتمع و وطن أكثر متانة قوة و إشراقا .
نترك لكم تصفح الرسالتين في مفارقة غريبة من نوعها أن تتبدل ظروف و حال الإنسان العربي نحو الأفضل إن شاء الله و ما عسانا ان نقول الا سبحان الله مغير الأحوال .
بقلم: حسَّان نزَّال
الرسالة الأولى :
2006-08-22
أخي الإنسان العربي.. أيها السادر في المجهول الموجود في اللا وجود، القابع داخل ذاتك، المستغني عن حريتك، المتناسي لذاتك ووطنك وأمتك...
أخي المواطن العربي.. في كل مكان من أرض وطننا العربي الكبير، أيها المسحوق صباح مساء، أيها المطعون في كبنونتك ووجودك وانتمائك لتلك الأمة التي كانت ذات يوم (((خير أمة أخرجت للناس))).. أيها المتعقل في زمن اللاتعقل.. الساكن في زمن الحركة.. الدائر داخل حلقة مفرغة.. الجاهل موقع قدمك ومرمى بصرك.. الفاقد لبصيرتك.. المتعلق بأهداب أنظمة بدأت أسسها تتآكل وينخرها السوس رغم تظاهرها بالثبات، أنت تغرق دون أن تطأ قدمك الماء.. يغمرك الموج وأنت في وسط الصحراء، تدور من تحتك الأرض وتتخلخل من فوقك السماء...
أيها العربي: تأكل كل شيء، تطمع بكل شيء، تجري خلف اللاشيء، وتنتهي حياتك دون أن تُحقك لنفسك أو لغيرك شيئاً...
أيها العربي: أيها القابع في ظل الأنظمة، السائر في شوارعها، المتنقل عبر دهاليزها المعتمة دون أن تدري إلى أين يسير بك الركب..
أيها العبد المستخدم، أيها الأجير المُعدم: لن أُذكّرك بمساحة وطنك العربي، ذلك أن النظام العالمي المتجدد ارتأى تجزِئة إنسانيتك وانتمائك وذاتك وقوميتك حتى يسهل عليه تقسيم وطنك ليُصبح نيفاً وعشرين وطناً.. وهو في كل يوم يزيد بعد أن فتح مزاد تقسيم العراق الشقيق، كما أن الأسماء والمسميات العربية تزيد وتستجد.. تظهر إمارات ويُعترف بدولٍ رغم أن آباءنا وأجدادنا القريبون جداً جداً عرفوا وطنهم العربي بأحيائه القليلة ـ بلاد الشام، والحجاز، والعراق، ومصر، والمغرب العربي ـ... لن أُذكّرك بخيرات أرضك العربية، لا بقمح السودان ولا بنخيل أرض الرافدين حيث يغتصب العلوج عبير وأخواتها الماجدات العراقيات في ظلالها، ولا بذهب الحجاز الذي ترتع فيه البنوك الأمريكية والغربية.. ولا بتونس الخضراء...! لن أُذكرك بنفط وطنك العربي الذي خزنته في جيوب الآخرين، لن أُذكرك بمياه العرب؛ أعني زمزم كما أعني عذوبة دجلة والفرات والنيل وبردى.. وأعني عذوبة دم الماجدات العربيات أيام صِبا المجد...
لن أدعوك لتوحيد وطنك العربي وإزالة الحدود والسدود، وتوحيد السلام الوطني..! فقط أدعوك أولاً للملمة شتات ذاتك وجمع أشلائك المتناثرة.. أيها المطيع الصامت.. أيها (الميكانزم) الآلي... أيها (الروتين).. أيها الجسد.. أيها المادة.. أيها الصمت.. أيها الضياع.. أيها العبودية.. أيها الطاعة العمياء، أيها العربي: يا من سيّر قرب الحائط طلباً للستر، يا من تضع رأسك بين الرؤوس وتقول: "يا قطّاع الرؤوس"، يا من جننت لأنه "إن جنوا ربعك عقلك بنفعكش"، يا من "ترفض قيام الدين في مالطا"..
يا من تزن نفسك بحسابك في البنك.. ولون ربطة عنقك، وقصر تنورة زوجتك.. يا من تقيس ذاتك بنوع و(موديل) سيارتك، وعرض شاشات الحاسوب فيها.. يا من تقيس ذاتك بعدد (السيرلنكيات) في فيلتك...
أيها العربي معذرة إن ادعيت بأخوتي لك دون أن تعرفني، معذرة إن عريتك أمام ذاتك دون أن تطالني يداك، معذرة إن نبشت ذاتك من سُباتها، فلا أعتقد أنها خلية نحل سوف تهب للدفاع عن مملكتها لتحمي حياضها وتمنع اللصوص من ارتشاف رحيقها، معذرة إن حوَّلت وطنك إلى أحياء متطاولاً على مقام جامعة الدول العربية.. فلست ملغٍ لدورها وإن ألغته بكلتا يديها، معذرة ثم معذرة إن اعتقدت أنني أريد تقليص عدد مندوبي وطنك في هيئات الأمم المتحدة، وأنّى ليَّ أن أُحقق ذلك وصرختي تختنق في داخلي لا تكاد تبرح ذاتي..!!؟؟
وأنّى للآذان الصم أن تستمع لي وهي لم تستمع بالأمس القريب لصرخات ميادة عبد الله وهدى غالية وهُنَّ يتجرعن مرارة اليُتم والفقدان..!!؟؟
كيف لصرخاتنا أن تلامس الآذان الصماء..!؟ ورحلة التهجير اللبنانية والفلسطينية تتجدد، لتدوس ملايين الأقدام العربية هامتك وتطأ جثتك الباردة دون أن تبعث فيها الحياة...!؟ أنّى لصرختي أن تفعل ذلك، وضحايا "قانا".. أطفال مجزرة (أولمرت) الجديدة في ملجئ "قانا" يصرخون في كل أُذن عربية، في حين ينتظر أزلام الأنظمة قدوم (رايس) للاستماع إلى أملاءاتها...!!!
أخي العربي: لقد بدأنا نحن المنزوعون على مرتفعات وتخوم مرج ابن عامر الشرقية والشمالية نستنشق ومع تباشير النصف الثاني من تموز أريجاً آخر للنسائم القادمة من الغرب، بدأت حيفا تبثُّنا وجدها المكبوت في صدرها منذ عشرات السنين.. أنها تُشرع الآن جِنانها محمّلة هذه النسائم طيب رحيقها المتجدد الذي لا بد سيُباغت أنفاسك المستكينة منذ زمن بعيد.. لذلك أُطالبك بالاستجابة لهذه الحبيبة الجسورة التي تُخاطب فيك ما تبقى من رجولة، أُطالبك بأن تستمع وترى ببصرك وبصيرتك وتستجيب لصرخة "قانا" المدوّية، فهي لن تُطالبك بأن تحرق الأرض أو تخرق السماء، ولن تُطالبك بأن تخرج فارعاً دارعاً لمُلاقاة أعدائك، لن تُطالبك بقلب النظام أو قتل الزعيم، فقط وفقط تُريدك أن تُحرر عقلك من نير العبودية والتبعية المتغلغلة في ثنايا روحك..هي فقط تُريدك أن تكون وأن تُحافظ على كينونتك.. وهذا ليس بحاجة إلى سلاح أو صُراخ أو تضحية.. أعرف لأنك ما زلت تمقتها.. وهذا ليس بحاجة لأن يأخذ كثيراً من جُلّ وقتك الضائع أصلاً، إنها تُريدك أن تقف وتُفكر، لعلك تتعرف إلى كلمـة (لا) في لغتك العربيـة، والتي قد لا تكون نطقتها إلا في الشـهادتين دون أن تفطن لاسـتخداماتها الأخرى...، أن عليك أن تُفكر ملياً في كل موقف قبل أن تختار بين (نعم) التي أدمنتها، و(لا) التي جهلتها.. أن ترفض حين يكون الرفض واجباً.. أن ترفض حين يكون الرفض واجباً، وأن تقبل فقط في مواضع القبول.. المهم أن يكون لك موقف، أن تتعلم أن بإمكانك أن ترفض دون أن ينتقص ذلك من عمرك أو رزقك أو يدني منك مكروها أو يبعد عنك خيراً..فلترفض بداية أي شيء في حياتك؛ ارفض أوامر زوجتك، تمرد على إشارة مرور في غير موضعها... على أوامر مخلوق فيها معصية للخالق، جرّب مرة أن تقول (لا) لتفتح ألفها فمك المغلق، فقد زمّت ميم (نعم) شفتيك منذ زمن بعيد فضعت دون أن تستطيع المشاركة حتى في رسم حياتك..
قل: "لا" لاحتلال عقلك كما قال أجدادك "لا" لاحتلال أرضهم.. فقد كان دأب الاستعمار أن يحتل الأرض وينهب خيراتها ويُسخرها وأهلها لمطامعه، فلما رأى أن بإمكان أهلها استخدام عقولهم لطرده منها، سعى لقتل هذه العقول واحتلالها ليسهل عليه السيطرة على خيرات الأرض والإنسان دون كبير عناء ولا قتلى ولا جرحى ولا خسائر مادية، وها هم الأعداء يحتلون أرضنا ويستبيحون حرماتنا وعواصمنا وقُرانا يقتلون ويطردون أهلها، بعد أن استشعروا بتباشير تحرير عقولنا وقلوبنا من نيرهم... فهل من رافض لبقائهم هناك في ثنايا الأدمغة..!؟ وهل من ساعٍ لتحرير عقله وقلبه..!؟ هل من مجيبٍ لصرخة "قانا"، وصرخة هدى وعبير..؟ هل من مجيبٍ..؟! هل من مجيب!!؟؟
الرسالة الثانية :
28/02/2011
أخي الإنسان العربي: تحية إنسانية من حياض القدس وبعد،
فقد احتجت لسنين عديدة لأرسل لك رسالتي الثانية، كما احتجت أنت لذات الفترة لتُقنعني بأهمية أن أكتب لك هذه الرسالة، لتُقنعني أنك تغيّرتَ ولم تعُد ذلك الإنسان الذي خاطبته في رسالتي الأولى لك، فقد تغيّرت فعلاً وصار لزاماً عليّ أن أقرَّ بذلك، جماهير بنغازي المُتماوجة فرحاً بالحرية وشوقاً لها، وسواعد ميدان التحرير والحناجر التي اجترحت الشعار ((الشعب يريد إنهاء النظام)) في تونس ليُصبح شعار شباب الأمة كلهم تُثبت لي ذلك، لهذا صار لزاماً عليَّ كفلسطيني عربي مسلم كنعاني أن أهمس بأذنك بدمعتين اثنتين: كم أُحبك أيها العربي ثائراً.. كم أُحبك متغيِّراً.. كم أُحبك مُدركا لذاتك هازّاً بقبضتك عروش الظلم وقضبان الأنظمة المهترئة لهذه النُظم المتهالكة القائمة على شخصية الفرد المالك لكل شيء.. المسيطر على الكل المالي والسياسي والاقتصادي والأمني في بلده، يُمسك بقبضته البلد كما يُمسك مروض الجمال بقياد ناقته ويُسيرها كما يشاء...
لقد غزا الشيب فوأدَيّ وأنا أنتظر أن تثأر لنفسك، أن تخرُج من تحت شجرة النظام التي تُظلِّلُكَ فتحجب عنك كلَّ شيء إلا ما تُريده هي موهمة إياك أنها الحِضن الظليل الذي لا بديل له، تأخرتَ كثيراً لكنني سأتذكر المأثور ((من غاب وحضر فكأنه ما غاب))، وأنت تحضر اليوم حيث يجب أن تكون وتقوِّض بدمك ولحمك ودمعك هذه الأقبية التي تُسمى أنظمة وهذه الفرمانات التي تُسمى دساتير...
أخي الإنسان العربي: أرادنا حُكامنا أن نعيـش أدنى من البهائم.. إذ نحيا لغرائز الحياة ونجهد لإشـباع حاجاتها فقط، وأرادنا الله أن نكون أسـمى من الملائكـة.. إذ منحنا الأمانـة ووهبنا العقل لنخلف في الأرض حملـة الرسـالات فننشـر العدل ونُوظف ما وهبنا من خيرات في سـبيل البناء والعدالـة والخير لنا ولعالمنا... لم يهبنا الله النفط لتتكرش به بطونُ بضعةِ آلاف من بين الملايين من أبناء الرؤساء وأنسبائهم وأعوانهم وعملائهم فقط، بينما يعيش بقية الناس في أقبية لا تصلح حتى للحيوانات... وهبنا الله النفط لعله يكون سبيل عـِزَّتنا وتعليم أبنائنا وبناء جامعاتنا وانتشال أجيالنا من الفقر والجهل وإقامة حضارة إنسانية شامخة، لكن رعاة أمرنا ارتهنوه لغرائزهم ولهْوِهم ومجونهم وجنونهم وتركوا الناس تلهث خلف لقمة ينتهي النهار دون أن تـُحصِّلها كاملة أو تشعر بلذة مذاقها...
أخي الإنسان العربي:
لا أتوقع منك الآن أن تشد الرحال إلى فلسطين ولا أن تُعد العُدة لتحرير القدس والأقصى، لقد كانت غاية حـُلمي أن أراك تقول "لا"، أن تنطقها في غير الشهادتين وأن تفغر بها فاك في الميادين والساحات التي تغص بالمخبرين ومناديب الأجهزة القمعية، وها أنت تفعلها... ها أنت تفعلها فتستدِرُّ الدمع من عينيّ وتحرِّك بي عاصفة للفرح لم أتعوّده، لكنني لم أفقد الأمل به أبداً، وليس أدل من عدم فقدي للأمل ذاك إلا ما ضمنته لك في رسالتي الأولى، كفى أيها العربي.. لقد فاض التنور ولم يعد بالإمكان الصمت أكثر، صار لِزاماً عليك أن تخرج دفاعاً عن الهواء الذي تتنفسه والماء الذي تشربه، دفاعاً عن كرامة مهدورة وإرادة مقهورة وأرض مسلوبة.. وصار لِزاماً عليك أن تُصدِّق أن باستطاعتك... نعم باستطاعتك، أن تُصدق أنك أنت فعلاً... نعم أنت طردت حسني مبارك وزين الهاربين وتقوّض الآن جنون القذافي، وجعلت فرائص الآخرين ترتعد مما هو قادم........ لا تقرص نفسك لتتأكد أنك في علم لا حلم، في حقيقة لا في خيال..... فقط انظر في المرآة وتأكد أنك أنت وأن شيئا ما فيك قد تغيّر... لون عينيك... منطوق لسانك... لون الدم المتدفق في شرايين وجنتيك... نعم تغيّرت وصار بإمكانك أن تفعلها وتقول "لا" وتنجح وتنام باكياً من الفرح أو حزينا على أخٍ لك سقط وهو يسير باتجاه ذاته...
عشرون عاماً أخي العربي... أو ثلاثون أو أربعون، يعني عقود... يعني جيلين... ولم يتحقق شيء، ذات الوجوه وذات اللصوص وذات الخونة الذين استمرت كراسيهم أهم في حيواتهم من بلادهم ومصالح شعوبهم وكرامة أمتهم وقداسة عقيدتهم وقدسية معتقداتهم ومهد حضارتهم، ما يقارب نصف قرن وتلك الجوارح تنهش في جسدك خلية خلية... ما يُقارب نصف قرن وهذه الخفافيش تفرش أرض وطنك لعدوك بالرياحين والزهور وتضع بين يديه خيراتٍ بعثها الله لك فكانت ـ لصمتك ـ لغيرك...
ما الذي أبقاك صامتاً كل تلك العقود؟!!! لعن الله الخوف وقاتل الجُبن.. فقد كنتَ جباناً.. ولدتك أمك حُرَّاً فأرضعتك الأنظمـة بسـياطها ورائحـة زنازينها حليب الخوف فنـُوِّمتَ وترعرعتَ مُدمِنا عليـه، لا ترى لـه بديلاً ولا تجرؤ أن تبحث لك عن ذاك البديل...
ضاعت فلسطين شبراً شبراً.. وأنت لا حول لك ولا قوة، هُوِّدتْ القدس حجراً حجراً ودُنِّست قداستها آية آية وأنت لا حول لك ولا قوة، فُـُضت بكارة لبنان واستُبيحت حرمات محارمه ونام اليهود في مخادع عروسه وأنت لا حول لك ولا قوة، سقطت بغداد وانتُهِبت كرامة نساء الفلوجة واغتصب علوج أمريكيا حرائر العراق وأعملت (إسرائيل) في غزة أظافرها وأنيابها ومخالبها حتى تركتها جسداً منهكا محاصراً مثخناً بالجراح لا يستطيع حسني مبارك أن يفتح لها كوة في الجدار "لأن اليهود على الجانب الآخر من الحدود ولا بد من موافقتهم على الفتح" وهو لا يريد أن يُغضِبَ الفتحَ بالفتح... وأنت لا حول لك ولا قوة... تركت للأنظمة أن تتحدث بإسمك، تشجب عنك... تدعوك للتظاهر متى تشاء وتُلزمك الصمت متى تشاء، وأنت لا حول لك ولا قوة، غِبت عن الوعي طويلاً وظللت طيلة ذلك تمتدح ثياب رئيس عارٍ وترقع مفاسد أمير لص وتُربت على كتف ابن ملك سِكير، يستأجر المأجورون موظفين يحملون لهم أحذيتهم ويُلقمونهم إياها بينما يسير ابنك حافياً في الأزقة، تعجز أن تقيه حرّ الرمضاء أو برد الشتاء.. وإذا اختليت بنفسك تقول متذرعاً أمام نفسك: لا حول لي ولا قوة...
اعتاد السلاطين صمتك وأدمنوا خوفك منهم وكانوا ينقلبون على أقفيتهم استهتاراً كلما ذكـّرهم ناصح بأن شعوبهم قد تستفيقُ وينفجر البركان في وجوههم... جُلَّهم قالوا ذلك، والفضائيات التي تفهم التاريخ تـُدوِّن وتعرض أمثال تلك المواقف كلما احتاج الرؤساء إلى تذكير...
يكفيني أنك تغيّرت أيها العربي... صار بإمكانك أن تقرأ غير قصائد شعراء السلاطين، وأن تستمع لغير خُطب المشايخ ِالمُخبرين، وأن تقول غير ما يـُلـّقـِّنُك إيّاه مذيعو وسائل إعلام النظام، وأن تُشاهد غير ما يُمثله مخرجو مسرحيات النظام... صار فضاؤك أرحب، افحص ذلك بنفسك... اشخصْ بناظريك إلى السماء الآن ستجدها إليك أقرب، واختبر الأرض من تحتك ستجدها أصلب، وتحسس عشب الأرض من حولك ستجده أكثر يناعة واخضراراً، تحسّس جسدك وستكتشف أنْ "نعم" لقد تغيّرت وصار بإمكانك أن تفعل أكثر، وصار لِزاماً عليَّ أن أُذكـِّر بأنّ دورَكَ بدأ ويجب أن لا ينتهي وأن لا تركـَن لتغير في القشور وتخلد إلى الراحة... لا تركن إلى أنك أسقطت النظام ويجب أن تخلد للراحة ، لا.... فإن مرحلة البناء بانتظارك، مرحلة قلب المفاهيم التي سادت والعقائد السياسية والأمنية التي تربّى عليها مُذِّلوكَ ومُعتقـِلوكَ ومُعذِّبوكَ في الأقبية صار لِزاماً عليك أن تُغيرها وتُنشئ لبـِنات قابلة لأن تبقى مدى طويلاً؟ لأنها ترتدي عباءة الانتماء وحب الوطن والإيمان بعقيدة أهله وعظمة تاريخه وحجم طاقاته وإمكاناته...
صار لِزاماً عليك أن تفكر وتعمل كي توفر لـِنفسك وبنفسك غذاءك ودواءك ووسائل راحتك ورفاهيتك بنفسك، أن تكون منتجاً لا متقاعساً، مُهمّاً لا هامشياً، حاضراً لا مُغيّباً، فاعلاً وليس إنهزامياً، دقت ساعة العمل للحياة التي اختارها الله لك ونسيان ما اختارته لك الأنظمة، كل هذا باستطاعتك وأكثر، فقد انتصرت على الخوف وصار بإمكانك أن تنتصر على كل تداعياته وإرهاصاته ونتائجه...
أخي الإنسان العربي: بقي عليّ أن أختبرك... أن أرى ماذا ستفعل حيال انتهاك عدوّك لوطنك... هل ستصمت وتبقى مُتمسمراً أمام الشاشات إذا ما عاد العدو إلى خدش كرامة لبنان؟! هل ستترك الجوعَ يقتات أحشاء الغزّيين؟! هل ستثور لدم يُهدر في العراق ودموع تنزّ في القدس؟!! هل ستترك النفط يتسلل بدفئه ودفء أمواله الى جيوب أعدائك بينما أبناء جلدتك يُعانون شتى صنوف الحرمان؟؟!! سأنتظر وأرى لكنني سأهمس بأذنك قائلاً: إنّ جبل الخوف قد انهار، وصخرة الجبن التي غلّفت صدرك قد انزاحت، المرحلة الصعبة تمّ تجاوزها وصار بإمكانك أن تحوّل كلّ ميادين وطنك إلى ميادين للتحرير وإلى ساحات تتماوج فيها الجماهير كما يفعلها اليوم سكان بنغازي الذين يغبطون اليوم على حرية يلفحها موج المتوسط