4/14/2012

صناعة الأساطير في دولنا العربية

تعي أنظمتنا الحاكمة جيداً أن بين ظهرانينا كمواطنيين هنالك من يركض لاهثاً خلف مال يجنيه أو خلف وظيفة مرموقة تلبي طموحه أو خلف مكانة سياسية يسعى لها أو لتحقيق مصلحة خاصة له , فتقوم على الدوام بتجهيز سلاحها الفتاك : ضخ المال و تقديم الإمتيازات و المنافع لشراء ذمم الأشخاص لضمان ديمومة طاعتهم و ولائهم لها و لتسيرهم و توجههم نحو ما يحقق إستقرار و ضمان إستتاب الأمور لتلك الأنظمة عندما تستدعي الحاجة .
هؤلاء الاشخاص لا يمكننا الإدعاء بجهلهم فمنهم المثقف و منهم المتعلم و منهم السياسي و منهم المجرمون من عامة المجتمع , كما أن منهم الصحفييون و رجال الأعمال و منهم من يمثل الوطن تحت قبة البرلمان .
كما أن هؤلاء الأشخاص المنتشرون بين جميع أوساط و شرائح المجتمع قد نجدهم داخل دور العبادة و الجامعات و لن نفاجأ إذا ما علمنا أنهم يتواجدون بين عمال الوطن ( النظافة) أيضا .
و حالما تدق ساعة الصفر نجد جيشاً جراراً قد إنتشر في كل ركن و زاوية من مدينتنا الفاضلة ,,, في شوارعها الرئيسية و الفرعية ,,, في الحارات و بين الجيران و داخل البقالات  ,,, داخل المقاهي و دور العبادة و الأسواق المركزية .
تنتشر كتائب هذا الجيش العرمرم في كل مكان تقريباً ...
منهم من يستعمل الورقة و القلم كمهمة إستقصائية ....
منهم من يشحن قلمه بعتاد الحبر ...
الخطاطون يعملون أيضاً ليل نهار من أجل تسليم طلبية اللافتات التي صيغ مضمونها بما يدعو الى ولاء و التأييد .
المطابع تعمل على أنهاء طلبية البروشورات المستعجلة و لم تعد تكترث لاستقبال مكالمات هاتفية من زبائنها كالعادة .
قد يصدر أمر بالافراج المشروط عن المجرمون و  اصحاب الإسباقيات و المصنفون خطر على المجتمع لينزلوا إلى الشارع و ينكلوا بالمتظاهرين الداعين الى كسر القيود و الاغلال التي تكبل أيديهم .
تبدأ الكتائب و جنودها , كل من موقعه و و ظيفته وعتاده الذي يحمله بحربه الضروس ضد كل من يعمل ضد النظام الحاكم , حاملاً إيديولوجية غريبة تعتبر كل من يخالف النظام عدوي و العكس صحيح .
تختلف أعمال و أفعال هؤلاء الاشخاص الذين تختلف تسميتهم من دولة عربية لأخرى( الشبيحة في سوريا و بالمرتزقة في ليبيا و البلطجية في مصر و السحيحة و الزعران في الأردن ) فمنهم من إختص بالكتابة و منهم من إختص بالدفاع تحت قبة البرلمان و منهم من إختص بالضرب و منهم من إختص بالقتل و منهم من غختص بإشاعة الفوضى و الشائعة و منهم من إختص بنقل الصوت و الصورة و إنتاج برمجة تلفزيونية غايتها تحريف الوقائع و الحقائق كما نشاهد في كثير من محطات التلفزة الرسمية و الموالية .
للأسف فإن مهمة أغلب هؤلاء الأشخاص و وجودهم لا ينتهي بسقوط تلك الأنظمة لسبب بسيط هو أننا لا نعرفهم جميعاً و لأنهم ترعرعوا في بيئة فاسدة أو جاهلة بالقيم و لأنهم سعوا في حياتهم لكسب المال أو الإمتيازات فقط .
هؤلاء الأشخاص يذهبون عاجلاً أم أجلاً ( بموت طبيعي - محاكمة - هروب ) و لكنهم للأسف يورثون معتقداتهم و إيديولوجياتهم لأبنائهم أو لأشخاص أخرينمن نفس بيئتهم يحملون نفس الإيديولوجية , سرعان ما يظهروا مجدداً لرعاية و تربية أجنة حكم فاسدة و تمكنها من بلوغ سن الرشد لتصبح أنظمة حاكمة فاسدة , و هلم جر في مسرحية ساخرة عنوانها " صناعة الاساطير في دولنا العربية ".
في دول متحضرة تسبقنا بملايين الجيجابايتات من المعرفة نجد أن الحاكم لديهم ينسحب من المشهد السياسي بكرامة و دونما إزلال دون أن يضاف إسمه أو يخلد إلى لائحة العظماء المخلدة لديهم .
فالحاكم لديهم موظف عام تنتهي ولايته حالما يقرر الشعب ذلك دون ان يكون بمنأى عن المسائلة أو العزل طيلة مدة ولايته .
بينما نجد خلاف ذلك في دولنا و مجتمعاتنا العربية حيث يخلد الحاكم حتى بعد وفاته و عندما أنظر بحيادية و تمعن لما انجزه هذا الحاكم أو ذاك لمجتمعه و أمته , فإني للأسف لا أجد إلا دماراً و نهباً و إستبداداً و قمعاً و خيانة و سوء طالع لازم سياسته , جرنا و إياها الى ويلات الحروب العبثية دون حتى أن يستأنس برأينا ...
ففقي كل دولة عربية و مجتمع بات هنالك أسطورة خالدة سرعان ما يأتي خلف لها لتعيش و تجبرنا على العيش في هالة أسطورية جديدة .
الغريب انك تجد من يبقى على ولائه و تأييده لذاك الحاكم الذي سقطتت ورقته و ليس ذلك إلا من سنة الحياة تمهيداً لميلاد أجنة حكم سياسية فاسدة جديدة للمستقبل .
و الإعلام العربي للاسف يلعب دوراً كبيراً في الترويج لأساطير الحكام و إبراز فضلهم و مكانتهم و قيمهم على الدوام كالإدعاء بأن الحاكم هو من بنى نهضة المجتمع الوطن و هو من صنع أمجاده , في سابقة خطيرة بين الأمم .
صناعة الأساطير
مصطلح مجازي للكناية عن دور المال و المنفعة كسلاح فتاك يستعمله البعض لشراء الولاء في محاولة لإبقاء وجودهم لأطول فترة ممكنة .

No comments:

More Labels

2012 مقالات حقوق الانسان العدالة الإجتماعية 2011 احزاب ثورات الغضب الشعبية حملات تضامنية 2014 فساد صور 2015 إعلام الانسان العربي courses certificates online دورات سياسة 2013 أفلام 2008 جرائم ضد الانسانية اديان 2010 حزب الخضر الأردني فلسطين الشرق الاوسط منقول تعليم التمييز العنصري الشباب العربي برامــج سلسلة قانون تراجيديا 2016 ديمقراطية press 2007 ENGLISH media اطفال مصطلحات حقوقية وثائق 2006 تنمية كتب مذاهب سياسية اعلان حريات حقوق تائهة تدوين حرية تعبير 2005 الانتخابات العنف تعذيب دليل دراسي ورش عمل 2009 الإنترنت حقوق المواطنة فكر الإخوان المسلمين البيئة المرأة جوائز حقوق الانسان رسائل شعر و أدب إنساني مظاهرات نشطاء حقوق اللاجئين green policy ارهاب اعلام الحروب الحرية الشفافية العراق المقاومة تقارير جامعات حماس اغاثة العدالة العنف الجامعي اليوم العالمي ايران تنمية سياسية عنف اعتقالات الجزيرة العشائرية ثورة العبيد سلام ويكيليكس Ecology اجندة حقوق الانسان اكراد الإمبريالية الامم المتحدة اليوم العربي انتخابات بروشورات حقوق الاقليات حقوق المعاقيين صحافة مبادرات معاهدات و اتفاقيات 2016 certificates ISIS interview إضراب الاستبداد البرنامج النووي البطالة السلطة الرابعة الغام الملكية الفكرية جامعة الدول العربية حقوق سياسية دراسات سياحة عقوبة الإعدام قافلة شريان الحياة مجلس النواب مدونة سلوك مقابلات منح