بداية يجب علينا ان
نسلم بالأمر بأن عملية تشكيل الاحزاب في الدول الديمقراطية تختلف في آلية تشكيلها عما
هو قائم لدينا في عالمنا العربي على وجه العموم , نظرا للفرق الشاسع في الممارسات
الديمقراطية المتجذرة لديهم و في التباين الواضح للمناخ السياسي الذي يسيطر على
الحياة العامة في مجتمعاتهم , حيث ينعكس ذلك الاختلاف و التاين سلباً على آلية
تشكيل الأحزاب لدينا .
فدستور الدول الديمقراطية يشدد على اهمية وجود الأحزاب و دورها ابتداءا رغبة من
الامة بوجود معارضة قوية تراقب اداء و عمل الحكومات , لضمان سير اعمال الحكومات ضمن القانون , و لحماية النظام الديمقراطي .
فالمعارضة في العالم الديمقراطي ليست ضعيفة و ليست شكلية و لا يوجد منها شيء مصطنع
و انما لها دور فعال و وظيفة سياسية و اجتماعية انشئت لها و من اجلها و بالتالي
فان وجودها شرط اساسي في تلك الدول لتاخذ نمطا و طابعا سياسيا خاصا بها بتنا نسميه
بالممارسة الديمقراطية الحقة .
بخلاف ما هو سائد لدينا في عالمنا العربي فالدساتير هنا لا ترى وجوبا باهمية وجود
الأحزاب لان واضع الدستور هنا لا يريد معارضة لكونه يمثل الدولة و الحكومة و
الدستور في ان معا ...
و كما هو واضح للعيان , فان احزاب الدول الديمقراطية انشئت لتحقيق وظيفه اجتماعية
و سياسية و لتمارس دورها النموذجي في تشكيل الحكومات , ساعية للفوز بالسلطة ليتحول
من كان حاكما إلى من كان معارضا , و هكذا جر دواليك في عملية تنمية سياسية مستدامة
تنتقل فيها السلطة من طرف لأخر , من خلال ما بات يعرف بالعملية الانتخابية.
اما في عالمنا العربي فالاحزاب غالبا ما تشكل لاحد من الاسباب التالية :
1- احزاب معارضة عقائدية : و هي احزاب عقائدية تختلف مع مذهب الحكومة السياسي
قالبا و مضمونا و قد تكون احزابا دينية او يسارية ( الشيوعية , الاشتراكية , خضراء
).
2- احزاب موالية : و هذا النوع من الاحزاب لا يوجد تقريبا الا في الدول ذات نظام
الحكم الواحد سواء كانت جمهورية ام ملكية و تكون عادة اما مصطنعة من قبل الدولة او
منشئة من قبل الافراد الانتهازيين سواء كانوا رجال اعمال ام رجالات دولة متقاعدين
لا يرغبون بالابتعاد عن دائرة الأضواء . و تتفق غاية منشئييها بين باحثين عن
الشهرة و الكسب و المنفعة و بين حفظ الالقاب و المكانة الاجتماعية و السياسية بعد تقاعدهم
من خدمة الحكومة و يتفق تشكيل تلك الاحزاب
مع مصلحة الدولة في انشائها و وجودها مساهمة منها في خلق صراع ديمقراطي افتراضي
للأصوات داخل البرلمان و المجتمع يساهم في تشتيت راي الشارع و كسب ورقة تاييد
عندما يطلب منها ذلك .
3- احزاب معارضة مصطنعة : و هي احزاب عقائدية و لكنها تصطنع بطريقة مباشة ( من قبل
الدولة ) او بطريقة غير مباشرة ( تشجيع الدولة بعض القيادات الحزبية على الانشقاق
) و غايتها : تمزيق قوة المعارضة الحقيقية و تشتيت راي الشارع و كسب ورق تاييد عند
الحاجة .
و ينبغي لنا ان نقر بأهمية
وجود و دور احزاب المعارضة كما ينبغي على الدولة المدنية الحديثة و التي تنشد
تحقيق و ترسيخ مبادىء الديمقراطية و تنمية مستقبلها السياسي ان تشجع على وجود
احزاب المعارضة لتضمن و يضمن معها المجتمع تحقيق الأهداف التالية :
1- وجود احزاب المعارضة يسمح بالانتقال السلمي للسلطة و هذا يخلق عملية تنمية سياسية مستدامة حقيقية
.
2- وجود احزاب المعارضة يسمح بتطبيق مبادىء الحكم الرشيد , حيث تمثل المعارضة
نموذجا بناء للنقد و المسائلة و المحاسبة.
3- احزاب المعارضة قادرة على استقطاب تاييد المجتمع لكونها تمثل شرائح المجتمع و
تنوعه و تبنّي مطالبه بخلاف الاحزاب الموالية و احزاب المعارضة المصطنعة.
و في المقابل فإنه لا يوجد أي تبرير تبرير منطقي أو عملي لوجود أحزاب الموالاة او
الديمقراطية المصطنعة في عالمنا العربي , و لا يمكن اعتبارها أحد عوامل التنمية
السياسية بأي حال من الاحوال بل على العكس تعتبر احد اذرع قوى الشد العكسي المعيقة
لإجراء اي تقدم حقيقي للتنمية السياسية حيث يعمل وجود تلك الاحزاب على :
1- ترسيخ سلطة الحزب الواحد .
2- اضعاف مطالب احزاب المعارضة بسبب عدم تبنّي مطالب المجتمع و شرائحه على قدر من
الجدية و المساواة .
3- التستر على اخطاء الحكومات و على الفساد الذي يقترفه اعضاء الحكومة مقابل وعود
بتحقيق مكاسب او منافع او ترقية لمناصب معينة .