12/21/2013

قليل من الحكمة و التروي ... بعيدا عن البلطجة و العنف

الخلاصة " برأي الشخصي أنها ستة أخطاء قاتلة تتبناها الدولة , ترتكبها و تمارسها بشكل شبه يومي كفيلة بخلق حالة دائمة من عدم الاستقرار و انعدام للامن و الامان , قد يقودنا جميعا في نهاية المطاف الى منزلق ساحق نحن بغنى عنه "


من نافذة غرفتي حيث اجلس خلف جهاز الحاسوب الخاص بي اراقب باستغراب و استنكار سيارة الهونداي الكحلية التي تقف بجانب الشارع المقابل لمنزلي  متسائلا بيني و بين نفسي بعد ان تاكدت خلال اليومين الماضيين انها في مهمة  مراقبة امنية , لاي جهة امنية يتبعون ؟ و من هي الجهة المستهدفة من المراقبة؟  و لماذا ؟
هذا المشهد اليومي لا يعدو عن كونه مشهد صغير من سيناريو حياتنا اليومي الاشبه بالافلام و المسلسلات البوليسية و الذي تدور قصته حول طبيعة علاقتنا كمواطنين مع اجهزتنا الامنية و تداعيات هذه العلاقة فيما لو تعارض طرحنا مع رؤيتها  , حتى و لو كان هذا الطرح قد عبر عنه بطرق سلمية و قانونية             و ديمقراطية .
لقد بت اخشى على استقرار وطني في ظل وجود مثل هذه السياسية الامنية التقليدية و الغير مجدية المتجذرة و المترسخة امام التطور الفكري و الثقافي و العلمي الطبيعي للمجتمع الاردني و امام حركة الحقوق المدنية و السياسية الوليدة و الأخذة في النمو كتيار و كفكر و كمطلب شعبي اجتاح الاردن بعيد الربيع العربي الثائر.
فالتاريخ القريب جدا لمن اعتبر و حذر نقل لنا ان صوت الشعب بات اقوى من صوت أزير ابواب السجون و صرخة المظلوم  تحولت الى زئير اسد مستأسد انقض بشراسة على سجانه مهشما كبريائه و سطوته      و محولا اياها الى بقايا عظام  و تحولت بيوت سجاني الحرية و منتهكي الحقوق و التي انفق لبنائها مليارات عديدة من الدولارات تسليحا و تجهيزا و تدريبا و سُخرت كل مقدرات الدولة للترويج لهيبتها و سطوتها ... رأينا كيف تهالكت و تهدمت و تهاوت فوق رؤوس سجانيها و كانها بيوت عناكب هيّنة .
نعم لقد رأينا كيف تهاوت بيوت تلك الانظمة التي كانت الى وقت قريب جدا تمتلك الكثير الكثير من القدرات و التسليح  و التجهيز و التدريب و انفقوا الكثير الكثير من الاموال في سبيل تعظيم تلك القدرات و سخروا لها الكثير من قدرات و امكانيات دولهم في سبيل تدعيم جدار الفصل العنصري العازل لأصوات الحرية    و المضاد لمدافع الحقوق , بل و كان سقفه اعلى من سقف صوت الشعب الى وقت قريب جدا ..
رأينا كيف تهاوت سريعا حتى ان انها فقدت حسها الامني اليقظ في التنبؤا بموعد انطلاقة شرارة ذلك الربيع تماما كما فشلت وكالة الإستخبارات الامريكية يوما ما في التنبؤ بموعد سقوط الشيوعية .
نعم ... انه قدر الشعب ان يحيا مجددا بعد ان نما و تدبر امره و من ثم توكل فشاءت مشيئة الخالق ان يمنح الشعب نعمة البصر ليسترشد ضالته باحثا عن حقوقه التائهة و المنقوصة و المنتهكة , في وقت اصاب فيه تلك الانظمة بعمى القدر لترى خطاها صوابا و تستميت عبثا في سبيل الحفاظ على كيوننتها دون جدوى .
نتفق مع من يرى ان ذلك الربيع الحالم بالحرية و العدالة الاجتماعية قد حاد عن غايته و تحول الى وبالا على من كان يستميت جاهدا لنيلهما  بعد ان أُخترقت و تشتتت و وُجهت تلك الاحلام  الى غير وجهتها      و غايتها الصحيحة . فمصر الامس كانت اكثر استقرار من مصر اليوم رغم ان الحلم كان و ما زال مشروعا و كذلك في  تونس و ليبيا و سوريا ... و هذا مما لا نحبذ رؤيته مطلقا في وطننا الاردن   ,        و لهذا نكتب و من هنا ينبغي لنا ان نقرأ التاريخ القريب بعناية و تروي و نتعظ من تجارب الاخرين و نبدا في محاسبة انفسنا و مراجعة حساباتنا ليكون مرور الربيع العربي علينا مرورا عطرا دون ان نعاني من الاوجاع و نتكبد الخسائر و دون ان يتمزق نسيجنا الاجتماعي و نهدم مستقبل يمكننا بناءه بشكل افضل مما هو مرسوم له الان ,  نتشارك جميعنا في رسمه و تلوينه بالوان ربيع زاهي حقيقية .
كان ينبغي لدولتنا ان تستغل ذلك الربيع العربي لمراجعة سياساتها و حساباتها لتقيّم ذاتها لا ان تنتظر الشعب ليقيمها و ينتقدها فهي تعي جيدا تاثير ذلك الربيع على بعض البلدان المجاورة و تعي ان الزائر الجديد على المناخ العام في الاردن انما يطالب بالاصلاح و مكافحة الفساد فكان حري بها ان تلتف حوله و تستوعبه    , لا ان تلبي بعض المطالب التي نادى بها الحراك الاردني و تقلّم البعض الأخر من مطالبه و تلتف على بعضه الاخر , حيث نجحت في اختراق الحراك و تشتيت مسيره و غاياته دون ان تلبي الشروط الاساسية التي نشأ من اجلها الحراك و المتمثل بتحسين اوضاع المعيشية التي ازدادت سوءا و بتمكينه من المشاركة السياسية الحقيقية  و مكافحة الفساد الذي اتضح انه فاق كل التصورات و الحدود اذ كيف لدولة مثل الاردن يُكشف فيه عن ملفات فساد فاقت في عددها و قيمتها المالية و حجم المتورطين فيها من مسئوليين ما لم يتم اكتشافه في القارتين الاوروبية و الامريكية معاً على مدار عقود بل قرون من الزمن !.
هي تعي جيدا حجم مأساتنا كما نعيها نحن و لمن اراد ان يعي حقا حجم معاناتنا و مأساتنا تكفيه نظرة واحدة متدبرة و عاقلة من خارج حدود وطننا حيث لا قيد هنا امام التعبير او الحركة او التساؤل او الرهبة من المسائلة الأمنية ... حينها لا يمكن للمرء العاقل الا ان يصف وضعنا بالمزري و السيء مقارنة مع ما وصلت اليه اوطان و شعوب كثيرة من حول العالم .
و من هنا نضع ايدينا على مكمن الخلل الاول في سياسة الدولة , و هو  عدم قبول المتغيرات الفكرية و السياسية للمجتمع الاردني , فبرأي الشخصي ان دولتنا لم تستفيق - و كانها لا تريد -  من حلمها الوردي الذي تحلم به منذ عقود بان ذلك الشعب مطيع لحكوماته على الدوام و لا يمكنه التفكير خارج الدائرة المرسومة له , لانها تعلم جيدا ان ذلك الحلم ليس الا كابوسا على ارض الواقع اذ لا يروق لها ان ترى ذلك الشعب و قد نما و علا صوته و لهذا لم تجد وسيلة لمعالجة هذا الكابوس المقلق لها الا من خلال ترقيع و تسويف مطالبه في الاصلاح و مكافحة الفساد .
و هذا الخلل فادح جدا ساهم في انعدام الثقة بالمطلق بين الشارع الاردني و حكوماته , بل و كان حري بدولتنا هنا ان تنتبه مسبقا لحركة النمو الفكرية للمجتمع الاردني و تعد لذلك جيدا كأي مجتمع بشري أخر تزداد مطالبه اضطرادا بازدياد مستوى تعليم ابناءه و تطلعاتهم و رؤيتهم لمستويات الرقي التي وصلت اليها المجتمعات الاخرى .
كان حري بدولتنا ان تتعامل مع الحراك و مطالبه بعقلانية و تفهم و حكمة ( لان الحكمة تتطلب معالجة  جذور الازمة التي نشا من اجلها الحراك  لا بكبته و ضغطه و الالتفاف عليه , حيث حولت الدولة جذور الحراك الى قنبلة مضغوطة سرعان ما ستنفجر عاجلا ام اجلا و دون الحاجة الى ربيع عربي اخر) .
اما الخلل الثاني   فهو قديم متجذر – حديث متجدد , حيث ما زالت تبسط سيطرتها الامنية على المشهد العام للحياة في الاردن فلا تكاد ترى مؤسسة او بنك او جامعة او مدرسة او جمعية  الا و تجد فيها عين امنية تترقب لاي نشاط او حركة او تجمهر او راي . و ذلك يتناقض تماما و حالة رفع الاحكام العرفية التي دعا اليه الراحل الملك حسين بن طلال في عام 1992 اذ تتطلب حالة رفع الاحكام العرفية بداهة عدم الظهور العلني للاجهزة الامنية في المشهد العام للحياة و الرجوع الى الظل دون ان تفقد دورها في حماية الوطن .
كما يتناقض ذلك التواجد مع نمو حركة الفكر للمجتمع الاردني الذي بات يميل الى الاستقلالية و المشاركة اكثر من اي وقت مضى .
و الخلل الثالث تمثل في الاهتمام و التركيز على حماية حاضر الملك لا على مستقبله , و هذا ما جعلها ترفض – مستعملة القوة احيانا - بعض دعوات الاصلاح و مكافحة الفساد  التي تضمن الاستقرار , كما في دعوة تطبيق الملكية الدستورية التي روجت لها الدولة على انها انقلاب ابيض على النظام و تحجيم لصلاحيات الملك بينما هي في واقع الامر افضل ضمانة لاستقرار النظام الملكي للابد لكونه يسمح بالمشاركة في صنع القرار مهما زاد نمو المجتمع الفكري و الحقوقي و مهما علا صوته و ارتفع سقف مطالبه .
و كان حري بدولتنا ان تعالج جذور الاحتقان و تناقش هذه الدعوات بشفافية لضمان ايجاد حلول ناجعة لها تضمن استقرار النظام و تزيد من اواصر الانتماء الحقيقي .
و الخلل الرابع كان فادحا و كبيرا و معيبا بشكل اكبر للدولة تمثل في اضفاء حصانة كبيرة و مبالغ فيها لبعض مسئولي الدولة مما سهل على اصحاب النفوس الضعيفة منهم الاثراء و الكسب غير المشروع على حساب خزينة الدولة و تكبيدها عجزا كبيرا استنزف الكثير من جيوب المواطنين  في محاولة لسده .
و هذا فتح الباب على مصراعيه لصغار مسئولي الدولة للنهب و الكسب غير المشروع و على حساب الخزينة ايضا بعد ان شاهدوا مسئوليهم يتصرفون بهذا الشكل , مما ساهم في رفع مديونية الوطن و خسارة اهم مؤسساته الوطنية .
و الخلل الخامس براي الشخصي تمثل في عدم التنبه لديموغرافيا مصالح الموالين الاقتصادية التي تزداد طبيعيا بازدياد عدد السكان الطبيعي غير مدركة ان الاستمرار في تغذية الديموغرافية الاجتماعية كشماعة يعلق عليها المجتمع اهتماماته و وقته باتت عديمة الجدوى امام التحدي الجديد و المتمثل بديموغرافيا المصالح الاقتصادية للموالين – كما يروق للدولة تسميتهم – حيث لم تعد امكانيات و قدرات الدولة الاقتصادية و امام استمرار ظاهرة توريث المناصب  قادرة على تلبية احتياجات الموالين – تقليديا و عرفيا – من وظائف و فرص عمل و امتيازات كما كانت تمنح في السابق فانقلبوا عليها و في ذلك انطبق المثل القائل :  خرج دوده من بطنه .
اما الخلل السادس فمثله مثال اي خلل سابق لا يقل خطورة و تاثيرا على المجتمع الاردني تمثل في تركيز الدولة على القضايا الامنية و السياسية على حساب الاهتمام بقضايا و قطاعات أخرى كما في العنف الجامعي  و البيئة و السياحة و تدهور النظام التعليمي و انتشار الامراض الاجتماعية نتيجة زيادة نسبة الفقر كانتشار بيوت الدعارة و الجرائم و العنف المجتمعي .
غير مدركة ان ان هذه القطاعات تؤسس على القيم و المبادىء لا على التشريعات و تحتاج لعقود طويلة حتى تنجز و تثمر و ان عملية الهدم اسهل بكثير من عملية البناء, فما فائدة سن تشريعات تحذير او ضبط   او معاقبة لمرتكبي العنف الجامعي طالما افتقدنا قيمة التدريس و فقد المعلم لكرامته و لرغبته بان يكون رسولا  و انتهكنا حرمة النظام و بدات قبلة العرب الجامعية تفقد بريقها شيئا فشيئا .
و بعد ...
هذه رؤى شخصية و قد يكون للبعض منا رؤى اخرى او مغايرة تماما لواقع وطن لطالما احببناه من اعماقنا حيث ولدنا فيه و ترعرعنا , متمنين له الرفعة و التقدم و الاستقرار ليصل بزهوه و تطوره وحضارته الى ما سبقتنا البه الكثير من بلدان العالم حينما وجهت الامكانيات و القدرات ليناء قاعدة صلبة و متماسكة تضمن لها الثبات و الاستقرار امام اي تحديات , تستند في اساسها على قواعد الحكم الرشيد قبل ان تستند لسياسات  و قبل ان تنادي بتطبيق الممارسات  الديمقراطية و قبل  ان ترفع شعار الإنسان اغلى ما نملك .


No comments:

More Labels

2012 مقالات حقوق الانسان العدالة الإجتماعية 2011 احزاب ثورات الغضب الشعبية حملات تضامنية 2014 فساد صور 2015 إعلام الانسان العربي courses certificates online دورات سياسة 2013 أفلام 2008 جرائم ضد الانسانية اديان 2010 حزب الخضر الأردني فلسطين الشرق الاوسط منقول تعليم التمييز العنصري الشباب العربي برامــج سلسلة قانون تراجيديا 2016 ديمقراطية press 2007 ENGLISH media اطفال مصطلحات حقوقية وثائق 2006 تنمية كتب مذاهب سياسية اعلان حريات حقوق تائهة تدوين حرية تعبير 2005 الانتخابات العنف تعذيب دليل دراسي ورش عمل 2009 الإنترنت حقوق المواطنة فكر الإخوان المسلمين البيئة المرأة جوائز حقوق الانسان رسائل شعر و أدب إنساني مظاهرات نشطاء حقوق اللاجئين green policy ارهاب اعلام الحروب الحرية الشفافية العراق المقاومة تقارير جامعات حماس اغاثة العدالة العنف الجامعي اليوم العالمي ايران تنمية سياسية عنف اعتقالات الجزيرة العشائرية ثورة العبيد سلام ويكيليكس Ecology اجندة حقوق الانسان اكراد الإمبريالية الامم المتحدة اليوم العربي انتخابات بروشورات حقوق الاقليات حقوق المعاقيين صحافة مبادرات معاهدات و اتفاقيات 2016 certificates ISIS interview إضراب الاستبداد البرنامج النووي البطالة السلطة الرابعة الغام الملكية الفكرية جامعة الدول العربية حقوق سياسية دراسات سياحة عقوبة الإعدام قافلة شريان الحياة مجلس النواب مدونة سلوك مقابلات منح