لعل قلة الخبرة في ادارة الازمات السياسية و سوء ادارة الاعتصامات لم تمكن جماعة الاخوان المسلمين في الاردن من الاستفادة من حالة انعدام الثقة المطلقة بين الشارع الاردني و حكوماته المتعاقبة و عدم الاستفادة من الزخم الشعبي الذي واكب مسيرات الاحتجاج التي عمت كافة مدن المملكة قد صب - بعد ان خفت الحراك و جاء موعد الحساب - في مصلحة استقرار المجتمع الاردني بعدم حدوث الفوضى الامنية على غرار ما حدث في بلداننا العربية المجاورة . رغم ان الاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي لدينا لم يشهد اي استقرار لغاية الان .
لعلها تجربة قاسية و ناجحة في ان واحد لجماعة الاخوان المسلمين من الصواب ان تقودهم الى التآني و مراجعة الأخطاء الفادحة التي ارتكبوها و التي باتت الحكومة تستعملها ( الاخطاء ) كرد عكسي للإساءة لهم و هذا ما بدات الحكومة بقطف ثماره فعلا ابتداء من انخفاض شعبية الاخوان و مرورا بتشجيع ولادة احزاب سياسية كثيرة لتستاثر بنصيب من اراء و توجهات الشارع الاردني و انتهاء بالتجربة غير الموفقة لإخوان مصر و تداعياتها على الاخوان في الاردن لدرجة ان هذا السقوط قطفته الحكومة الاردنية بذكاء و حنكة عندما لوحت بسياسة الرافة و الحنان على اخواننا في الاردن بتصريح تعلوه نبرة عالية و قوية و واثقة بانها لن تحل هذه الجماعة ... فسبحان الله مغير الظروف حينما تنقلب مفاتيح القوة التي كانوا يمسكونها ذات يوم الى مفاتيح وهن و ضعف جعلتهم رهينة حنان الحكومة !!
فما الذي قاد الاخوان المسلمين في الاردن الى حالة الوهن التي وصلوا اليها .... دعونا نقف عند بعض الاخطاء - على الاقل هي من وجهة نظري كمواطن شارك لمرات عديدة في مسيرات الاصلاح و لعل بعض القراء وقفوا عند بعض الاخطاء الاخرى التي لم نشاهدها او لعل بعضهم يرى فيما سنورده من اخطاء بانها لا تعدو عن كونها تصرفات او بيانات فردية لا تعبر بالضرورة عن راي الاخوان او عن حالة ضعف لموقفهم و حول ذلك نختلف و نصيب كثيرا و هي ليست موضوع النقاش الان .
1- فاخواننا لم يركزوا على قضايا الشارع الاردني ذات الاولوية و التي يكوى بنارها المواطن الاردني و الذي لا تعنيه بالمقام الاول معاهدة وادي عربة او معاهدة السلام مع اسرائيل اكثر من اهتمامه و قلقه من ارتفاع الاسعار و انعدام مقومات العدالة الاجتماعية فكان التركيز على القضايا المهمة اكثر لدى الاخوان من التركيز على القضايا المصيرية .
2- السلوك الاخواني الذي لا ينمي عن حنكة و خبرة افقدت الاخوان جزءا كبيرا من رصيد الدعم , اذ كيف يقوم الاخوان بتجييش الشارع و تاجيجه بينما يجتمع زعماء الاخوان مع كبار مسئولي الدولة في ذات الوقت .
3- ناهيك عن السلوك الشخصي للإخوان اثناء مسيراتهم .... كالحضور الى مراكز الاعتصامات بسياراتهم الفارهة بينما من حولهم ينادي بعدم رفع الدعم عن المحروقات , و استعمالهم لسيارات امريكية الصنع يقف فوقها صداحوا الصوت و هم يهتفون بالموت لامريكا !!! مما اوقعهم في تناقض عجيب لم ينتبهوا له و لم يحسبوا له اي حساب . يمكن القول ان الاخوان لم تمثل المعارضة النموذجية هنا كسلوك يفترض بهم ان يكونوا في مقدمة الركب و يتحلوا باخلاق المعارضة القدوة .
4- لم يبني الاخوان تحالفات قوية مع النقابات المهنية خصوصا .... نقابة المعلمين القادرة لوحدها على سبيل المثال لا الحصر على شل حركة البلاد برمتها . و اكتفوا بتحالفات هشة مع من ينتاقضون معهم فكرا و منهجا كالاحزاب القومية التي تبنت ذات الشعار و ذات المطلب في اغلبه الا و هو ما لا يمس قضايا المواطن الرئيسية .
5- التهميش الواضح و الذي قد لا يكون مقصودا لدور الحراكات و تجمعات الاصلاح التي كانت تاتي من كل مدن المملكة للمشاركة في المسيرات , و لنا ان نتخيل انه في الوقت الذي كانت فيه الحراكات كافة ترفع العلم الاردني كان الاخوان يرفعون الاعلام الخضراء و لا يتيحون لقيادي الحراكات البروز و الظهور و المشاركة الفاعلة مما افقد الحراك قوة داعمة و ورقة قوية جدا تمثلت بورقة العشار الاردنية التي استفادت منها الحكومة و قامت بتجييرها لصالحها .
6- الاختراق الواضح لصفوف الاخوان ابتداء من اجتماع مسئولين في الاخوان مع السفير البريطاني و انتهاء بمبادرة زمزم مما شكل صدعا كبيرا و سبب هشاشة في الموقف الاخواني على العموم .
7- عدم التحالف بقوة مع الجبهة الوطنية للإصلاح التي تنادي بنطبيق الملكية الدستورية و التي يقودها السيد احمد عبيدات الذي يدعو الى تطبيق الملكية الدستورية و بالتالي لم يستفد الاخوان من هذه الورقة الهامة و اتي تتفق مع مطالبهم الداعية الى إلغاء المواد 27 و 30 الى المادة 34 من الدستور .
8- و لعل الخطا الفادح و الاكبر هو ما صرح به احد زعماء الاخوان السيد همام سعيد من اعتراف ضمني بتوطين الفلسطينين في الاردن عندما اشار الى ان مجنسي ما بعد عام 1989 لا يعتبروا اردنيين !!! و لا يوجد عاقلان في الدنيا يختلفان حول مغزى مثل هذا التصريح الذي يدل على توطين الفلسطينين المجنسين قبل العام 1989 !!!
و اخيرا و ليس اخرا .... ينبغي على الاخوان مراجعة الدرس المصري جيدا بل و كان عليهم ان يراجعوا الدرس الفلسطيني اكثر عندما ارتكبت حركة حماس خطاها الفادح و القاتل بخوض غمار العمل السياسي مما افقدها الدعم العربي و الاسلامي و الدعم الفلسطيني لمقاومتها و اصبحت معزولة بحكم الظروف التي لم تجري بما ارادته حماس .
نتمى كل الخير لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن و ننصح انفسنا و ننصحهم بعدم التعويل على الشارع كثيرا فلسان حال الشارع المصري شاهد على ذلك و لسان حال الشارع الفلسطيني شاهد على ذلك .
ليرجع الاخوان الى قواعدهم , قبل ان يخسروا كيانهم السياسي و نندم فوق ندمهم و ليبدؤا بما بدا به الرسول الكريم على مدار ثلاث عشر عاما ... الدعوة الى الله حتى ياتي الله بامره .
فمن الصعب ان يدير الاخوان اي حكومة او وزارة لانهم ببساطة سيتحولوا الى علمانيين بخلاف ما يؤمنون به ... فالشارع الملون لدينا باطياف سياسية و دينية و مذهبية قد لا يقبل بان تفرض عليه العصا . و هو ما رايناه مؤخرا في تونس و في مصر و في ليبا حيث الاسلام يشكل 90 % و 98% و 80% على التوالي .