9/19/2008


قبلة التسامح الديني
19/09/08
( لقاء الإنسان بالإنسان) بتلك المفردات المعبرة , وصف الملك عبد الله بن عبد العزيز لقاءه بالبابا , وهي مفردات تختزل بين طياتها الكثير من المعاني والمضامين المعبرة , وتدل بشكل واضح على أن السعودية تعيش لحظة استثنائية على كافة الأصعدة , وأن هناك حراكاً حثيثاً نحو المراجعة والتصحيح ونقد الذات وأخذ المبادرة بكل شجاعة , بعيداً عن قيود المألوف والخضوع للأطروحات التقليدية , التي لم تعد تؤائم هذا العالم الجديد بمبادئه المعولمة .
كثيرٌ هم المتحدثون في مجالسهم عن الانفتاح على الآخر, والمنظرون لقيم الحوار , إلا أن اطروحاتهم ظلت حبيسة جدرانهم الخاصة , حيث ألجم الخوف ألسنتهم من البوح بشيء من خوالجهم التي يسرون بها جلسائهم , فمن النادر أن نجد من يملك الشجاعة للبوح بتلك الأفكار التي أصبحت مطلباً ملحاً في هذه اللحظة التي يعيشها كوكبنا اليوم , بعد أن بدأت مخالب الإرهاب والتطرف بكافة أنماطه وصوره تخنق أنفاسه , حتى تلاشت أبسط القيم الإنسانية الفطرية , فأصبح الحق في الحياة - كأحد الحقوق الإنسانية الفطرية - التي لم تعد موضع جدل في كافة الشرائع مهددة بغلواء ذلك المارد المتوحش المتعطش لدماء البشر فقط لمجرد إراقة الدماء .
إن تلك المبادرة (الشجاعة) من قامة بحجم الملك عبد الله بن عبد العزيز , فرصة للمعتدلين من كافة الديانات السماوية للاتفاق على أطر وقيم محددة لتقاسم الحياة على هذا الكوكب , الذي لا يمكن لأحد الانفراد في السيطرة عليه دينياً أو فكرياً أو ثقافياً , فقَدَر البشرية التعايش على أرضية تضمن الحرية للجميع في ممارسة معتقداتهم , واجتثاث نبتة التطرف التي لا يمكن حصر جذورها الخبيثة بدين معين , ففي الوقت الذي نجد من بين جلدتنا من يدعو لقتل الآخر ويجير منابر بيوت الله للتحريض على العنف ضده , نجد من الآخرين سفهاء تطاول على رموز الإسلام وكان آخرها فلم (الفتنة) الذي أجج الفتنة وصب زيت التأجيج على نار الإرهاب المستعرة .
وفي تأكيد الملك عبد الله بن عبد العزيز على المرجعية الدينية لمبادرته إشارة إلى أن هناك أصواتاً معتدلة غُيبت وسط علو أصوات متطرفة , حاولت اختطاف الدين واحتكار الحديث باسمه , وملاحقة المتمردين عليها بفتاوى تسطو بها على حقوقهم الإنسانية وتسلبهم أيمانهم وعلاقتهم بخالقهم .
لقد وصلت غلواء التطرف إلى أن نصب البعض نفسه وكيلاً عن الله في أرضه وأعطى لنفسه الحق في تحديد من له الحق بالحياة ومن يجب أن يقتل , في تمرد على أبسط مرتكزات ومفاهيم الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات والمحكومة بالنص القانوني , الذي يفترض أن يكون مستقلا عن سلطة رجل الدين , إلا أن تلك المفاهيم التي أصبحت تحكم عالمنا اليوم - على بساطتها - لازالت هناك فئة من الغلاة لم تستطع التعايش معها , والإدراك بأن تلك العوالم الجاثمة في رؤوسهم التي يحكمها الفرد على قاعدة : (ضحوا تقبل الله ضحايكم فإني مضح بالجعد بن درهم ) أصبحت من ركام التاريخ , ولا تعدو أن تكون حلقة من حلقات التطور المعرفي والثقافي للبشرية , وأن عالمنا اليوم أصبحت القيم الإنسانية المجردة هي التي تشكل مرتكزاته الأساسية وتحدد معالمه , وليست الفتاوى كالحة السواد التي تكمم أفواه البشر , وتصادر حقهم الأصيل في حرية الرأي والتعبير عنه .
إن التكفير كأحد إفرازات التطرف والغلو الذي طال نخبة من المثقفين والمفكرين ليبرهن بأن غلاة قومنا لم تتسع آفاقهم لأطروحات التعايش السلمي مع أتباع الديانات والعقائد الأخرى وإنما ضاقوا ذرعاً بأبنائهم الذين لم يرضخوا لأفكارهم وحاولوا ممارسة التفكير الذي لا يمكن لأحد مصادرته أو الالتفاف عليه في محاولة يائسة لأعادة عرى سلطة بدأ بنيانها بالتآكل , لأن الناس شبت عن طوق سطوتهم ولم تعد ترضى بالوصاية . إن حرية الرأي والتعبير عنه , تشغل حيزاً مهماً في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان , حيث أكدت عليها كافة الإتفاقيات والاعلانات والمواثيق الدولية والاقليمية , وأصبح مستقرا في وجدان الشعوب والأمم بأن من حق الإنسان أن يمكن من التعبير عن رآيه فى الوقت والمكان الذى يجد انهما مناسبان لذلك , دون أي خوف من سلطة دينية أو سياسية أو اجتماعية فهو حق أصيل مؤيد بنصوص قانونية مجردة ليست بحاجة إلى إضفاء الشرعية عليها بفتوى من شيخ أو بمباركة من مرجعية دينية , وإنما هي مكتسب للإنسان ناضل من أجله على مر التاريخ , حتى غدى مسلمة لا تقبل الجدل أو المراء وأن أي عدوان على هذا الحق إنما هو عدوان على الإنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً .
أنه وفي ظل تنامي النفس الحقوقي في السعودية , في زمن الفضاءات المفتوحة , واتساع مسامات الحرية , لم نسمع صوت إدانه من قبل بعض النشطاء الاجتماعيين والسياسين لفتاوى التكفير الجائرة التي صدرت أخيراً بحق مثقفين وكاتبين سعوديين , مع أن تلك الفتاوى إنما هي مصادرة للحق في الرأي والتعبير التي أكدته كافة الاتفاقيات والصكوك الدولية إلا أن البعض من يتعاطون مع حقوق الإنسان لا زالت تأسرهم الرؤية الكلاسيكية المتفشية في عالمنا العربي للتعاطي مع انتهاكات حقوق الإنسان , التي تربط مصادرتها بالدرجة الأولى بالسلطة السياسية , ويحاول أولئك (البعض ) أن يستغل ملف حقوق الإنسان كفزاعة سياسية , دون تنبي حقيقي لقيمها العليا ومبادئها السامية , لذا يتلكأ السياسيون عن إدانة انتهاك السلطة الدينية ورموزها لحقوق الإنسان , ولا يواجهون تجاوزاتها الحقوقية بالشراسة والحدية التي يواجهون به انتهاكات السلطة السياسية , لأنهم يستخدمون الملف الحقوقي كآلية من آليات العمل السياسي , يحرك حسب أتجاه الرياح الموسمية وإلا ما الفرق بين الاعتقال التعسفي وبين التكفير ؟ فإذا كان الأول هو مصادرة لحرية الإنسان , فإن الثاني مصادرة لعقله واعتقال لفكره .
وإذا كانت المملكة قد شرعت أبوابها للتحديث الاقتصادي والسياسي والتشريعي فإن الملك "الإنسان" قد فتح ذراعيه للعالم ليدشن مملكة التسامح في عالم يضطرب وتزداد مشكلاته .

No comments:

More Labels

2012 مقالات حقوق الانسان العدالة الإجتماعية 2011 احزاب ثورات الغضب الشعبية حملات تضامنية 2014 فساد صور 2015 إعلام الانسان العربي courses certificates online دورات سياسة 2013 أفلام 2008 جرائم ضد الانسانية اديان 2010 حزب الخضر الأردني فلسطين الشرق الاوسط منقول تعليم التمييز العنصري الشباب العربي برامــج سلسلة قانون تراجيديا 2016 ديمقراطية press 2007 ENGLISH media اطفال مصطلحات حقوقية وثائق 2006 تنمية كتب مذاهب سياسية اعلان حريات حقوق تائهة تدوين حرية تعبير 2005 الانتخابات العنف تعذيب دليل دراسي ورش عمل 2009 الإنترنت حقوق المواطنة فكر الإخوان المسلمين البيئة المرأة جوائز حقوق الانسان رسائل شعر و أدب إنساني مظاهرات نشطاء حقوق اللاجئين green policy ارهاب اعلام الحروب الحرية الشفافية العراق المقاومة تقارير جامعات حماس اغاثة العدالة العنف الجامعي اليوم العالمي ايران تنمية سياسية عنف اعتقالات الجزيرة العشائرية ثورة العبيد سلام ويكيليكس Ecology اجندة حقوق الانسان اكراد الإمبريالية الامم المتحدة اليوم العربي انتخابات بروشورات حقوق الاقليات حقوق المعاقيين صحافة مبادرات معاهدات و اتفاقيات 2016 certificates ISIS interview إضراب الاستبداد البرنامج النووي البطالة السلطة الرابعة الغام الملكية الفكرية جامعة الدول العربية حقوق سياسية دراسات سياحة عقوبة الإعدام قافلة شريان الحياة مجلس النواب مدونة سلوك مقابلات منح