عزيزي القارىء . سأكون ممتناً لك كثيراً إذا تمحصت في غاية رأينا ... فالعتب الموجه لجماعة الإخوان المسلمين فيما يلي و من خلفها جماعاتنا الاسلامية يأتي على قدر تقديرنا و إحترامنا لشخصهم و لإنتمائهم الحزبي الذي يعملون من خلاله.
حينما أشاهد و أبحث في التحديات و الصعوبات الجمًة التي تواجهها جماعاتنا الاسلامية في عالمنا العربي و كيف تهيأت بعض الجماعات لاستلام دفة الحكم في بعض الدول و كيف تتهيأ البعض الاخرى لاستلام زمام السلطة في الدول التي باتت أنظمتها آيلة للسقوط أو على وشك . أجد تفسيراً واحداً لما يحدث عن السبب الذي يقود جماعاتنا الاسلامية و خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين منهم للصدام و الإختلاف مع الرموز و التيارات السياسية الوطنية و بالتالي مع الشارع و الرأي العام في نهاية المطاف . و هو ما سبق أن أشرنا اليه بالتحديات و الصعوبات الجمًة .
فالحال ينبًأ بأننا كشعوب عربية , للأسف , لن نتفق و فكر جماعتنا الإسلامية فيما لو إستلموا إدارة شئون الدولة و لسنا بحاجة لأن نجد مبرراً كالذي يقول بأن أيادي خارجية تدخلت قد لإشعال فتيل الأزمة بيننا و بينهم , فأحياناً كثيرة قد نختلف معهم و لسبب واحد تافه يكون كاف لخلق نزاع بل و لتأجيج الشارع برمته و قد تصل - و هذا ليس بالأمر الغريب - إلى نزاع مسلح و للأسف .
نحن و جماعة الإخوان المسلميين نخوض صراعاً فكرياً , أشبه ما يكون بلعبة شد الحبل , الغالب و المنتصر فيه من يؤثر بفكره على الأخر و يجذب الطرف الأخر إليه و يؤثر فيه. و لكن الغريب في هذا الصراع ( اللعبة ) انها لا تنتهي بروح رياضية كما في الالعاب الرياضية و إنما بروح غير رياضية على الأغلب . هو صراع بين رأي يدعو إلى أسلمة المجتمع و الدولة أو القبول بالواقع العلماني للدولة و للسواد الأعظم من مواطنيها . فعلمانيتنا كمواطنيين ترعرعت و نمت داخل فكرنا مع نمونا الطبيعي , فارتوينا من فكر العلمانية حتى الثمالة , و دعونا ننسى لبرهة من الوقت و لنجرد افكارنا من العواطف الجياشة و النبيلة تجاه حبنا و انتمائنا العفوي للإسلام و لننسى ايضاً ان خانة الديانة في بطاقاتنا الشخصية قد دمغت بكلمة الاسلام و لنترك جانيا اننا نسمى بمحمد و عمر و عثمان و علي , و نطلقها على ابنائنا بحكم العادة المحكمة. فكل ذلك سرعان ما ننساه و على الاغلب نتناساه حينما تستلم الجماعات الاسلامية سدة الحكم و ادارة شئون المجتمع و الدولة .
أما جماعاتنا الاسلامية ... اصحاب فكر و منهج سليمين و لكنهم – و ساسمح لنفسي بالتجني عليهم - ليسوا بدراية تامة و كافية حول كيفية إدارة شئون وزارة أو مجتمع او دولة .... ففكرهم الاسلامي السليم في واد و مفهوم التطبيق العملي لديهم لهذا الفكر داخل المجتمع في واد آخر بعيد كل البعد عما تدارسوه و فهموه . و ليس لهم أي أمل في النجاح و الاستمرار في السلطة إلا إذا تحولوا نحو الفكر العلماني – متاجرين بإسم الدين - حتى يضمنوا الإستقرار و الثبات دون حدوث أية قلاقل بالقاف و ليس بالفاء حتى لا يتحول الامر و كأنه خليط للفكر كما تختلط عجينة الفلافل , و بذلك تكون علمانيتهم قد جائت بعد إستلام السلطة و إدارة شئون الدولة .
فتطبيق احكام الشريعة بين ليلة او ضحاها في مجتمع يميل سواده الأعظم الى تبني الفكر العلماني و تدار دولته و مؤسساتها بفكر و قوانيين و وسائل علمانية سيؤدي لا محالة الى خلق صدام مع القوى و التيارات السياسية التي ستلجاً الى شحن الشارع و تاجيجه ضد الجماعات الاسلامية التي لا ترى في استخدام العنف اي مانع للحيلولة دون تطبيق احكام الشريعة . رغم ان الامر برمته قد يفسر من التيارات السياسية على انه اعتراض على قانون و ليس على احكام الشريعة ذاتها !!! في تحايل و خداع واضحين و علنيين على أنفسهم و على الدين و المتاجرة بإسمه .
لعل جماعتنا الاسلامية أخطات كثيرا و كثيراً , حينما قررت السعي نحو سدة الحكم مستمدة إرادتها و عزيمتها نحو ذلك من ارادة الحق الطبيعية و من المبادىء الديمقراطية التي تنادي بحق التعبير و حق الانتخاب و الترشح و تولي المسئوليات , غافلة - أو بالأحرى تعي جيداً – أن المجتمع لا يقبل بسواده الاعظم بوجودها للاسف الشديد . و لا داعي هنا لاعادة التكرار بان هذا السواد يكنى بمحمد و عمرو عثمان و علي و ان خانة ديانته داخل بطاقته الشخصية مدمغة بكلمة الاسلام .
بل لعلها أخطأت كثيراً و لم تعي الحكمة الإلهية من بقاء النبي محمد صلى الله و عليه و سلم في مكة لمدة ثلاثة عشر سنة ( اكثر من المدة التي قضاها في المدينة حيث تشكلت الدولة الاسلامية بمفهوم الدول) يدعو الناس ليلاً و و نهاراً الى الاسلام . بان الحاجة الى تاسيس مجتمع إسلامي يعد شرطاً اساسياً و وحيداً لتبوأ السلطة و لتثبيت الاستقرار و الإستمرار دون مواجهة اي صدامات مع المجتمع . و لا داعي هنا لوضع اللوم على اسرائيل او امريكا او الغرب او صندوق النقد الدولي كالعادة كشماعة للفشل و لتعليق الاخطاء . فلا وجود لرأي او لدور يقال عن فتنة خارجية او ايادي شيطانية او لتدخلات خارجية ... فلب المشكلة يكمن برأيين مختلفين و متعارضيين على الدوام يعيشان داخل ادمغتنا و داخل بيتنا و مجتمعنا و دولتنا و قوانا السياسية , يتعارضان كثيرا و يلتقيان قليلاً عند إلتقاء المصالح .
فجماعاتنا الاسلامية اكتفت بدور تحفيظ القرأن الكريم لبضعة ألاف من الطلبة و لم تنجح كثيراً بالاندماج داخل الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الفنية و الرياضية خاصتنا كمواطنيين و كمجتمع لتكون لنا مورداً لا ينضب من الثقافة و الأدب و التوعية , فحصرت للأسف جل اهتمامها و تركيزها في العمل السياسي متخذة دور المعارض البارز احياناً كثيرة و دورالناقد اللاذع احياناً اخرى و بين ذلك و ذاك حاولت مراراً ان تجري إنقلابات عسكرية في عدد من الدول بائت جميعها بالفشل . و نسيت أن قاعدة شرعية هامة تقول بأن الامور لا تولى لمن يطلبها !!!
ففي ظل غياب تنشئة و تأسيس للفرد و للمجتمع الاسلامي سيستمر هذا الصراع و المعنون بالسياسي و باختلاف الراي الديمقراطي بين الجماعات الاسلامية و في مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين ... مع الاب و الاخ و ابن العم و ابن القرية و المجتمع و البلد ... حرب اختلاف فكر يتخذ عنواناً متحضراً له يدعى حرية التعبير عن الرأي , سرعان ما سيقودنا إلى نزاع و دمار و خراب ... فما حدث بين الفلسطيين ( القتال و الاختلاف بين حركتي فتح و حماس ) و ما يحدث في تونس و في السودان و في مصر .
هو نزاع بين فكرين مختلفين جذرياً ... فإما ان يتبنى الشارع برمته بما يضمه من أقليات و أعراق و مذاهب ثقافية و سياسية , الفكر الاسلامي و تقفل جميع البنوك و المصارف و تغلق محلات الالبسة و المطاعم و تمنع غير المحجبات من الخروج الى الشارع و تمنع المواطنيين من الاستماع إلى الأغاني و يتم وقف الاستيراد و التصدير و إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول المعادية للاسلام كالدول الأوروبية و الولايات المتحدة و تمتنع عن إقامتها مع الدول الملحدة كالصين و كوريا و اليابان و يعود البعض منا ليركب الدابة كوسيلة نقل مبدئياً , حتى نتمكن من صناعة وسيلة نقل خاصة بنا .... و إما أن تتحول حماعة الاخوان المسلمين و إن كانت تعمل و تظهر تحت مسميات حزبية إلى الفكر العلماني و تقبل بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع دول الكفر و تقبل بالتعامل مع صندوق النقد الدولي و توقع على الاتفاقيات التي تدعو الى حرية الوصول الى المراة و حماية الاسرة .
و بين ذلك التحول و ذاك لا يوجد خيار ثالث لجماعاتنا الاسلامية إلا بالاصلاح من القاعدة ( المجتمع ) و أن تصبر كما صبر النبي و اصحابه حتى يتحول المجتمع بسواده الاعظم من صاحب فكر علماني إلى صاحب فكر إسلامي ... حينها داعي و لن يكون هنالك حاجة لان تسعى جماعة الاخوان المسلمين الى السلطة ... لان السلطة ببساطة ستاتيها عنوة ... كون الظروف باتت مهيأة لها .
لا يمكن الادعاء كثيراً – و إن بدا و كان ذلك - ان سبب الصدام مع المجتمع مرده الى وجود فتنة و ايادي خارجية نافين صفة العلمانية عن السواد الاعظم من ابناءه و لا يمكن الادعاء بان قلة التجربة السياسية و الخبرة في ادارة امور الدولة هي السبب ايضاً ... فعلمانيتنا لم تكن وليدة الامس و انما هي متجذرة منذ قرون مضت .
كما لا يمكن التعويل على نجاح التجربة التركية و ان كانت اكثر استقرارا من تجربة الجماعات الاسلامية في عالمنا العربي فالتجربة التركية الناجحة سببها قبول الحكومة بعلمانية الدولة و حكمتها في اتخاذ القرار على الدوام فهي غالبا ما تبحث عن الوقت المناسب و الظروف المواتية لاتخاذ القرار قبل ان تفكر بالقرار ذاته . ناهيك عن ان التجربة التركية نجحت من خلال برامجها الاجتماعية و الاقتصادية و قبل ان تستلم زمام السلطة في تركيا و تخوض الغمار السياسي .
فحزب العدالة و التنمية و من قبله حزب الفضيلة و من قبله حزب الرفاه المنحلين كانوا نشطين جداً في المجال الاجتماعي و الاقتصادي داخل المجتمع التركي و لو سألنا واحدة من عاهرات إسطنبول التائبات عن سبب اتجاهها نحو الفضيلة لقالت لك بأن برنامج المساعدات و الإرشاد و التوعية الذي كان يقوم به حزب الرفاه هو السبب في تغيير مجرى حياتها ... و هذا ليس الا مثالاً عن تفكير هذا الحزب و نموذجا مثاليا من احد برامجه المتعددة في المجالات الاجتماعية الاقتصادية مما اكسب الحزب شعبية كبيرة جدا خصوصا في العاصمة الاقتصادية اسطنبول و باقي المدن التركية .
يختلف الحال لدينا سواء في الاردن او في باقي دولنا العربية فجماعاتنا الاسلامية التي خاضت صراعا مريرا مع الحكومات لاثبات وجودها ... فأحزابنا الدينية التي تشكلت حديثاً ليس لديها أية برامج إجتماعية او إقتصادية او ثقافية أو بيئية او صحية أو فنية بإستثناء برنامج واحد و هو بالطبع سياسي بحت , إلى جانب الدور التقليدي للجماعات الدينية ممثلاً بإنشاء دور تحفيظ القرآن الكريم .
لقد أنجزت جماعاتنا الاسلامية و جهدت فيما عملت و تعمل و تسعى إليه و لكنهم إستعجلوا خوض مضمار سباق الرئاسة و السلطة متجهين و إيانا كمجتمع و كدولة نحو مغامرة لسنا و إياهم بقادرين على تحمل مسئولياتها و عواقبها فيما لو حدثت أية حرب أهلية لا قدر الله , و ذلك ليس بالأمر المستبعد و الغريب عن عادات و تقاليد بني جلدتي " بني يعرب " المشهورين بالفراسة و رمي الرمح .
و حديثاً و بعد تحول الجماعات الإسلامية نحو العمل الحزبي نفاجأ بسعيهم الحثيث سواء عبر آرائهم و بياناتهم و مقالاتهم نحو كسب السلطة كبديل اوحد و و حيد لتطبيق الاصلاح و مكافحة الفساد بدون ان يهيوأ أنفسهم و إيانا كمجتمع لمرحلة الدستور الاسلامي و الدولة الاسلامية و الشارع الاسلامي فيما لو قدر لهم أن يتبوأ السلطة ...فالمتتبع للمواقع الالكترونية ( بإعتبارها رسالة الحزب للقارىء و بوصلة برامجه) او لما تتبناه من انشطة عملية على أرض الواقع يجدها تخلو من البرامج التي تلامس هموم و مطالب الشارع و الرأي العام .
فمن سمع عن تبني أي جماعة او حزب ديني منذ نشأتها لمسائل (بإستثناء الوقت الراهن فيما تمر به بلداننا العربية حيث باتت جميع القوى السياسية تستعمل همومنا و مشاكلنا اليومية كغطاء و كوسيلة كسب للرأي العام ) مثل : التأمين الصحي , حقوق الإنسان , الضمان الإجتماعي , حقوق العمال , البطالة , النظام التعليمي , إرتفاع الاسعار , الفقر , الإسكان ... الخ . مع التنويه إلى أن مسائل البيئة على سبيل المثال بالنسبة لدولة كالأردن هي مسائل مهمة جداً يكاد الزمن سيتوقف عندها يوماً ما .
الطريق صعب جداً و مليء بالعثرات و الصدامات امام جماعاتنا الاسلامية فيما لو أرادت تبوأ السلطة و قد تنجح في ذلك ... و لكننا لا ندعو و لا نقبل بمبرر " الغاية تبرر الوسيلة " فالرهان هنا على مستقبل دولة بأكملها و على شعب بأكمله . بل الرهان على أن فكر الجماعات الإسلامية سينقلب إلى علماني مع مرور الزمن ليتم تحليل ما كان محرماً قبل زمن .
الطريق واضحة المعالم و منارة جيداً لجماعاتنا الاسلامية و هي ذات الطريق التي سار عليها الرسول محمد عليه الصلاة و السلام ... البدء ببناء المجتمع الاسلامي و عدم التعويل كثيراً على الموالين من الشارع و الرأي العام ... فولائهم عاطفي بحكم الانتماء الديني ليس إلا , و ليس عملي يعتد و يرتكن عليه ... فهو سرعان ما يفتر و ينقلب .
حينما أشاهد و أبحث في التحديات و الصعوبات الجمًة التي تواجهها جماعاتنا الاسلامية في عالمنا العربي و كيف تهيأت بعض الجماعات لاستلام دفة الحكم في بعض الدول و كيف تتهيأ البعض الاخرى لاستلام زمام السلطة في الدول التي باتت أنظمتها آيلة للسقوط أو على وشك . أجد تفسيراً واحداً لما يحدث عن السبب الذي يقود جماعاتنا الاسلامية و خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين منهم للصدام و الإختلاف مع الرموز و التيارات السياسية الوطنية و بالتالي مع الشارع و الرأي العام في نهاية المطاف . و هو ما سبق أن أشرنا اليه بالتحديات و الصعوبات الجمًة .
فالحال ينبًأ بأننا كشعوب عربية , للأسف , لن نتفق و فكر جماعتنا الإسلامية فيما لو إستلموا إدارة شئون الدولة و لسنا بحاجة لأن نجد مبرراً كالذي يقول بأن أيادي خارجية تدخلت قد لإشعال فتيل الأزمة بيننا و بينهم , فأحياناً كثيرة قد نختلف معهم و لسبب واحد تافه يكون كاف لخلق نزاع بل و لتأجيج الشارع برمته و قد تصل - و هذا ليس بالأمر الغريب - إلى نزاع مسلح و للأسف .
نحن و جماعة الإخوان المسلميين نخوض صراعاً فكرياً , أشبه ما يكون بلعبة شد الحبل , الغالب و المنتصر فيه من يؤثر بفكره على الأخر و يجذب الطرف الأخر إليه و يؤثر فيه. و لكن الغريب في هذا الصراع ( اللعبة ) انها لا تنتهي بروح رياضية كما في الالعاب الرياضية و إنما بروح غير رياضية على الأغلب . هو صراع بين رأي يدعو إلى أسلمة المجتمع و الدولة أو القبول بالواقع العلماني للدولة و للسواد الأعظم من مواطنيها . فعلمانيتنا كمواطنيين ترعرعت و نمت داخل فكرنا مع نمونا الطبيعي , فارتوينا من فكر العلمانية حتى الثمالة , و دعونا ننسى لبرهة من الوقت و لنجرد افكارنا من العواطف الجياشة و النبيلة تجاه حبنا و انتمائنا العفوي للإسلام و لننسى ايضاً ان خانة الديانة في بطاقاتنا الشخصية قد دمغت بكلمة الاسلام و لنترك جانيا اننا نسمى بمحمد و عمر و عثمان و علي , و نطلقها على ابنائنا بحكم العادة المحكمة. فكل ذلك سرعان ما ننساه و على الاغلب نتناساه حينما تستلم الجماعات الاسلامية سدة الحكم و ادارة شئون المجتمع و الدولة .
أما جماعاتنا الاسلامية ... اصحاب فكر و منهج سليمين و لكنهم – و ساسمح لنفسي بالتجني عليهم - ليسوا بدراية تامة و كافية حول كيفية إدارة شئون وزارة أو مجتمع او دولة .... ففكرهم الاسلامي السليم في واد و مفهوم التطبيق العملي لديهم لهذا الفكر داخل المجتمع في واد آخر بعيد كل البعد عما تدارسوه و فهموه . و ليس لهم أي أمل في النجاح و الاستمرار في السلطة إلا إذا تحولوا نحو الفكر العلماني – متاجرين بإسم الدين - حتى يضمنوا الإستقرار و الثبات دون حدوث أية قلاقل بالقاف و ليس بالفاء حتى لا يتحول الامر و كأنه خليط للفكر كما تختلط عجينة الفلافل , و بذلك تكون علمانيتهم قد جائت بعد إستلام السلطة و إدارة شئون الدولة .
فتطبيق احكام الشريعة بين ليلة او ضحاها في مجتمع يميل سواده الأعظم الى تبني الفكر العلماني و تدار دولته و مؤسساتها بفكر و قوانيين و وسائل علمانية سيؤدي لا محالة الى خلق صدام مع القوى و التيارات السياسية التي ستلجاً الى شحن الشارع و تاجيجه ضد الجماعات الاسلامية التي لا ترى في استخدام العنف اي مانع للحيلولة دون تطبيق احكام الشريعة . رغم ان الامر برمته قد يفسر من التيارات السياسية على انه اعتراض على قانون و ليس على احكام الشريعة ذاتها !!! في تحايل و خداع واضحين و علنيين على أنفسهم و على الدين و المتاجرة بإسمه .
لعل جماعتنا الاسلامية أخطات كثيرا و كثيراً , حينما قررت السعي نحو سدة الحكم مستمدة إرادتها و عزيمتها نحو ذلك من ارادة الحق الطبيعية و من المبادىء الديمقراطية التي تنادي بحق التعبير و حق الانتخاب و الترشح و تولي المسئوليات , غافلة - أو بالأحرى تعي جيداً – أن المجتمع لا يقبل بسواده الاعظم بوجودها للاسف الشديد . و لا داعي هنا لاعادة التكرار بان هذا السواد يكنى بمحمد و عمرو عثمان و علي و ان خانة ديانته داخل بطاقته الشخصية مدمغة بكلمة الاسلام .
بل لعلها أخطأت كثيراً و لم تعي الحكمة الإلهية من بقاء النبي محمد صلى الله و عليه و سلم في مكة لمدة ثلاثة عشر سنة ( اكثر من المدة التي قضاها في المدينة حيث تشكلت الدولة الاسلامية بمفهوم الدول) يدعو الناس ليلاً و و نهاراً الى الاسلام . بان الحاجة الى تاسيس مجتمع إسلامي يعد شرطاً اساسياً و وحيداً لتبوأ السلطة و لتثبيت الاستقرار و الإستمرار دون مواجهة اي صدامات مع المجتمع . و لا داعي هنا لوضع اللوم على اسرائيل او امريكا او الغرب او صندوق النقد الدولي كالعادة كشماعة للفشل و لتعليق الاخطاء . فلا وجود لرأي او لدور يقال عن فتنة خارجية او ايادي شيطانية او لتدخلات خارجية ... فلب المشكلة يكمن برأيين مختلفين و متعارضيين على الدوام يعيشان داخل ادمغتنا و داخل بيتنا و مجتمعنا و دولتنا و قوانا السياسية , يتعارضان كثيرا و يلتقيان قليلاً عند إلتقاء المصالح .
فجماعاتنا الاسلامية اكتفت بدور تحفيظ القرأن الكريم لبضعة ألاف من الطلبة و لم تنجح كثيراً بالاندماج داخل الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الفنية و الرياضية خاصتنا كمواطنيين و كمجتمع لتكون لنا مورداً لا ينضب من الثقافة و الأدب و التوعية , فحصرت للأسف جل اهتمامها و تركيزها في العمل السياسي متخذة دور المعارض البارز احياناً كثيرة و دورالناقد اللاذع احياناً اخرى و بين ذلك و ذاك حاولت مراراً ان تجري إنقلابات عسكرية في عدد من الدول بائت جميعها بالفشل . و نسيت أن قاعدة شرعية هامة تقول بأن الامور لا تولى لمن يطلبها !!!
ففي ظل غياب تنشئة و تأسيس للفرد و للمجتمع الاسلامي سيستمر هذا الصراع و المعنون بالسياسي و باختلاف الراي الديمقراطي بين الجماعات الاسلامية و في مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين ... مع الاب و الاخ و ابن العم و ابن القرية و المجتمع و البلد ... حرب اختلاف فكر يتخذ عنواناً متحضراً له يدعى حرية التعبير عن الرأي , سرعان ما سيقودنا إلى نزاع و دمار و خراب ... فما حدث بين الفلسطيين ( القتال و الاختلاف بين حركتي فتح و حماس ) و ما يحدث في تونس و في السودان و في مصر .
هو نزاع بين فكرين مختلفين جذرياً ... فإما ان يتبنى الشارع برمته بما يضمه من أقليات و أعراق و مذاهب ثقافية و سياسية , الفكر الاسلامي و تقفل جميع البنوك و المصارف و تغلق محلات الالبسة و المطاعم و تمنع غير المحجبات من الخروج الى الشارع و تمنع المواطنيين من الاستماع إلى الأغاني و يتم وقف الاستيراد و التصدير و إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول المعادية للاسلام كالدول الأوروبية و الولايات المتحدة و تمتنع عن إقامتها مع الدول الملحدة كالصين و كوريا و اليابان و يعود البعض منا ليركب الدابة كوسيلة نقل مبدئياً , حتى نتمكن من صناعة وسيلة نقل خاصة بنا .... و إما أن تتحول حماعة الاخوان المسلمين و إن كانت تعمل و تظهر تحت مسميات حزبية إلى الفكر العلماني و تقبل بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع دول الكفر و تقبل بالتعامل مع صندوق النقد الدولي و توقع على الاتفاقيات التي تدعو الى حرية الوصول الى المراة و حماية الاسرة .
و بين ذلك التحول و ذاك لا يوجد خيار ثالث لجماعاتنا الاسلامية إلا بالاصلاح من القاعدة ( المجتمع ) و أن تصبر كما صبر النبي و اصحابه حتى يتحول المجتمع بسواده الاعظم من صاحب فكر علماني إلى صاحب فكر إسلامي ... حينها داعي و لن يكون هنالك حاجة لان تسعى جماعة الاخوان المسلمين الى السلطة ... لان السلطة ببساطة ستاتيها عنوة ... كون الظروف باتت مهيأة لها .
لا يمكن الادعاء كثيراً – و إن بدا و كان ذلك - ان سبب الصدام مع المجتمع مرده الى وجود فتنة و ايادي خارجية نافين صفة العلمانية عن السواد الاعظم من ابناءه و لا يمكن الادعاء بان قلة التجربة السياسية و الخبرة في ادارة امور الدولة هي السبب ايضاً ... فعلمانيتنا لم تكن وليدة الامس و انما هي متجذرة منذ قرون مضت .
كما لا يمكن التعويل على نجاح التجربة التركية و ان كانت اكثر استقرارا من تجربة الجماعات الاسلامية في عالمنا العربي فالتجربة التركية الناجحة سببها قبول الحكومة بعلمانية الدولة و حكمتها في اتخاذ القرار على الدوام فهي غالبا ما تبحث عن الوقت المناسب و الظروف المواتية لاتخاذ القرار قبل ان تفكر بالقرار ذاته . ناهيك عن ان التجربة التركية نجحت من خلال برامجها الاجتماعية و الاقتصادية و قبل ان تستلم زمام السلطة في تركيا و تخوض الغمار السياسي .
فحزب العدالة و التنمية و من قبله حزب الفضيلة و من قبله حزب الرفاه المنحلين كانوا نشطين جداً في المجال الاجتماعي و الاقتصادي داخل المجتمع التركي و لو سألنا واحدة من عاهرات إسطنبول التائبات عن سبب اتجاهها نحو الفضيلة لقالت لك بأن برنامج المساعدات و الإرشاد و التوعية الذي كان يقوم به حزب الرفاه هو السبب في تغيير مجرى حياتها ... و هذا ليس الا مثالاً عن تفكير هذا الحزب و نموذجا مثاليا من احد برامجه المتعددة في المجالات الاجتماعية الاقتصادية مما اكسب الحزب شعبية كبيرة جدا خصوصا في العاصمة الاقتصادية اسطنبول و باقي المدن التركية .
يختلف الحال لدينا سواء في الاردن او في باقي دولنا العربية فجماعاتنا الاسلامية التي خاضت صراعا مريرا مع الحكومات لاثبات وجودها ... فأحزابنا الدينية التي تشكلت حديثاً ليس لديها أية برامج إجتماعية او إقتصادية او ثقافية أو بيئية او صحية أو فنية بإستثناء برنامج واحد و هو بالطبع سياسي بحت , إلى جانب الدور التقليدي للجماعات الدينية ممثلاً بإنشاء دور تحفيظ القرآن الكريم .
لقد أنجزت جماعاتنا الاسلامية و جهدت فيما عملت و تعمل و تسعى إليه و لكنهم إستعجلوا خوض مضمار سباق الرئاسة و السلطة متجهين و إيانا كمجتمع و كدولة نحو مغامرة لسنا و إياهم بقادرين على تحمل مسئولياتها و عواقبها فيما لو حدثت أية حرب أهلية لا قدر الله , و ذلك ليس بالأمر المستبعد و الغريب عن عادات و تقاليد بني جلدتي " بني يعرب " المشهورين بالفراسة و رمي الرمح .
و حديثاً و بعد تحول الجماعات الإسلامية نحو العمل الحزبي نفاجأ بسعيهم الحثيث سواء عبر آرائهم و بياناتهم و مقالاتهم نحو كسب السلطة كبديل اوحد و و حيد لتطبيق الاصلاح و مكافحة الفساد بدون ان يهيوأ أنفسهم و إيانا كمجتمع لمرحلة الدستور الاسلامي و الدولة الاسلامية و الشارع الاسلامي فيما لو قدر لهم أن يتبوأ السلطة ...فالمتتبع للمواقع الالكترونية ( بإعتبارها رسالة الحزب للقارىء و بوصلة برامجه) او لما تتبناه من انشطة عملية على أرض الواقع يجدها تخلو من البرامج التي تلامس هموم و مطالب الشارع و الرأي العام .
فمن سمع عن تبني أي جماعة او حزب ديني منذ نشأتها لمسائل (بإستثناء الوقت الراهن فيما تمر به بلداننا العربية حيث باتت جميع القوى السياسية تستعمل همومنا و مشاكلنا اليومية كغطاء و كوسيلة كسب للرأي العام ) مثل : التأمين الصحي , حقوق الإنسان , الضمان الإجتماعي , حقوق العمال , البطالة , النظام التعليمي , إرتفاع الاسعار , الفقر , الإسكان ... الخ . مع التنويه إلى أن مسائل البيئة على سبيل المثال بالنسبة لدولة كالأردن هي مسائل مهمة جداً يكاد الزمن سيتوقف عندها يوماً ما .
الطريق صعب جداً و مليء بالعثرات و الصدامات امام جماعاتنا الاسلامية فيما لو أرادت تبوأ السلطة و قد تنجح في ذلك ... و لكننا لا ندعو و لا نقبل بمبرر " الغاية تبرر الوسيلة " فالرهان هنا على مستقبل دولة بأكملها و على شعب بأكمله . بل الرهان على أن فكر الجماعات الإسلامية سينقلب إلى علماني مع مرور الزمن ليتم تحليل ما كان محرماً قبل زمن .
الطريق واضحة المعالم و منارة جيداً لجماعاتنا الاسلامية و هي ذات الطريق التي سار عليها الرسول محمد عليه الصلاة و السلام ... البدء ببناء المجتمع الاسلامي و عدم التعويل كثيراً على الموالين من الشارع و الرأي العام ... فولائهم عاطفي بحكم الانتماء الديني ليس إلا , و ليس عملي يعتد و يرتكن عليه ... فهو سرعان ما يفتر و ينقلب .
No comments:
Post a Comment