" أخشى ما اخشاه أن نكون قد أمنا مكر الله بنعمة الأمن و الآمان
التي نعيشها , فتأتينا عواقب الأمور على غفلة و نحن لا نشعر , فما أمن مكر الله
إلا القوم الغافلون , الخاسرون "
عندما نتحدث عن سياسة دولة فاننا نتحدث في الخلاصة عن قرارات يصدرها
أشخاص باسم الدولة بالانابة عن ستة ملايين مواطن اردني , يختلط المزاج بالهوى أحياناً كثيرة في بعض تلك
القرارات كما حصل مؤخراً في أزمة الدولة
مع جماعة الإخوان المسلمين , , يفترض ان دستورنا قد كفل لهم حق حرية التعبير و ممارسة العمل
السياسي و عدم تجريمهم بسبب ممارسة تلك الانشطة او إنتساب البعض لهم . ضاربين بقراراتهم آمال و تطلعات شريحة واسعة من الشعب بعرض الحائط.
لقد اتسم عمل جماعة الاخوان المسلمين في الأردن منذ نشأتها بالعمل
السياسي – الإجتماعيو الدعوي السلمي و نبذ العنف و التطرف و لم يستثمروا شعبيتهم السياسية
و الإجتماعية و الدينية لزعزعة أمن و إستقرار النظام و الوطن , رغم أن الدولة كانت
و مازالت تنظر اليهم كشاذين فكرياً و غير مرغوب و مرحب بهم داخل دوائر صنع القرار .
أياً كانت مخططات دولتنا العزيزة و أيا كان أطراف الصراع و أيا كانت
الوسائل المستعملة , فإن ما تمارسه الدولة و تطبقه و تحيكه ضد جماعة الإخوان
المسلمين إنما هو إرهاب فكري و سياسي مخالف للدستور و للأنظمة و ردة عن الاصلاح و
ترسيخ للقبضة الأمنية و تمييع للإسلام السياسي خصوصاً عندما تجري بنجاح عملية
ولادة قيصرية لجماعة جديدة منشقة عن الإخوان , على ما يبدو أنها لن تكون مستقلة
الإرادة و الحركة و ستستظل قراراتها و سيتمحور فكرها داخل عباءة سياسة الدولة طالما
أن العديد من رجالات الدولة الحاليين و السابقين قد باركوا نشأتها و ألقوا على
مسامعنا الإسلام السياسي المعتدل ؟! في أسوأ عملية إستنساخ و تشويه للإسلام
السياسي على مر التاريخ .
فلماذا ذلك الصدام المباشر المدروس و المبيّت و الذي ينفّذ بروية ضد
جماعة الإخوان المسلمين ؟! التي ما زالت مع من بقي من البقية الباقية من بعض شرائح
المجتمع تتمسك بالاسلام السياسي و تعض عليه بالنواجذ .
في نظرة سريعة لأرشيف سياسة دولتنا العزيزة خلال العقدين الاخيرين و
بعيد كل قرار سياسي و قانون جديد و إجراء مطبق يرى الكثيرين ان الكثير من تلك
السياسات لا تصطدم فقط مع التيارات السياسية الإسلامية و القومية و إنما باتت
تصطدم مع التيار الشعبي غير المسيّس , و باتت تلك
السياسات و القوانين و الإجراءات تسلخنا عن إسلامنا و روح تعاليمه رويداً رويداً ,
قانوناً قانوناً , إجراءً إجراءً ؟! في سباق محموم مع الزمن و صراع مع الواقع لدوتنا
في مواكبة الحضارة و بناء الدولة المدنية على حساب القيم و الاخلاق و روح الاسلام
و تعاليمه .
فالاسلام ليس مجرد نص دستوري يُشار اليه , و ليس
مجرد بث مباشر لمواعيد و مواقيت الصلاة عبر التلفزيون الرسمي , و ليس بصندوق معونة
وطنية بديلاً عن لجان الزكاة التي تشرف عليها جماعة الإخوان المسلمين , و ليس الإسلام
بمسابقة رمضانية أو مسابقة سنوية لقراءة القرآن الكريم , بديلاً عن ألاف حفظة
القرآن المخرجين سنوياً , و الاسلام السياسي ليس مجرد وزارة للأوقاف يقتصر دورها على
تسيير رحلات الحج و العمرة , بل بناء لدور عبادة و نشر للدعوة و نصرة لقضايا الوطن
و المواطن . فكل ما سبق باتت تشرعه دول العالم لأقلياتها المسلمة التي تعيش على
أرضها .
اتمنى أن لا ينسى هؤلاء الأشخاص الذين يصدرون تلك القرارات بإسمنا أننا
دولة إسلامية , عربية , يعتنق غالبية مواطنيها الدين الاسلامي و نرغب بوجود تيارات
سياسية اسلامية تمثلنا كمسلمين , و من حق بعضنا ان يؤيد و يدعم جماعة الاخوان
المسلمين .
إن ممارسة الاسلام السياسي و الانتساب إليه و الدعوة إليه حق سياسي , و
واجب أخلاقي و ديني لبعضنا كوننا ولدنا مسلمين و لا خيار أخر لنا بالردة عنه أو
التحول إلى المسيحية أو اليهودية أو العلمانية و لا يرغب بعضنا بالإنحلال الثقافي
و الأخلاقي و العيش بلا قيم .
على الاغلب و غالبية المواطنين لا نطالب بإجراء إستفتاء شعبي مثلاً حول
مستقبل الاسلام السياسي او جماعة الإخوان المسلمين فذلك مصطلح سياسي لم تعتد الأذن
على سماعه و لم نعتد على ممارسته في المشهد السياسي و بالكاد نعرف معناه .
على الاغلب أننا لا نطالب بفصل السلطات و تحديد المسئوليات و سمو
الدستور و تغليب سلطة القانون تفادياُ للمزاجية في اصدار القرارات و السياسات ,
فنحن نثق بصناع القرار لدينا ...
على الاغلب أننا لا نطالب الدولة بتطبيق الإسلام السياسي في الحياة
العامة حتى لا نصطدم مع القرية الكونية المنفتحة علينا ثقافياً و حضارياً و جنسياً
.
نحن فقط ... لا نريد لإسلامنا الإهانة و
الإهمال و لا نريد لوطننا سوى الأمن و الآمان الحقيقي , و لا نريد لأجيالنا
اللاحقة ان تنشأ في دولة مدنية متحضرة على حساب الجهل بتعاليم دينها و كانها تنظر
إلى من بقي على نعمة الاسلام كشخص غريب غير مرغوب فيه , و لا نريد للأردن ما حصل
في مصر الشقيقة من إنقسام و صراع سياسي و إجتماعي داخلي .
نريد لتلك الشريحة أن تمارس حقها الدستوري في ممارسة
انشطتها دونما تضييق كباقي دول العالم التي تحترم الاحزاب و الجماعات الدينية
لديها كإسرائيل و إيران كأفضل نموذج . حيث يغدقون عليهم بالدعم و الإمتيازات .
نريد فقط أن نأمن مكر الله , لا كما يعتقد البعض
بأن نعمة الأمن و الآمان التي نعيشها إنما هي رضى و بركة من الله مع وجود ردة عن
مسار الاصلاح و فساد و و فقر و أمراض إجتماعية و ظواهر سلبية منتشرة , خشية أن تأتينا عواقب الأمور عن غفله و نحن لا
نشعر .
حمى الله الأردن و شعبه و وفق ملك البلاد
بالبطانة الصالحة لما فيه خير البلاد و العباد .
No comments:
Post a Comment