" الحكمة السياسية تبرز هنا بضرورة سعي الملك الجاد لبناء أسس و دعائم إصلاحية لمملكته لضمان استقرار عرش ولي عهده مستقبلاً و عدم تعرضه لهزات بالإمكان تفاديها لو طبقت في وقتنا الحالي "
في جانب أخر لمهنة الملك كملك و من منطلق المسئولية المشتركة و بالتالي عدم تحميل الملك مسئولية و تبعية كل ما يجري من فساد داخل مملكته , أحببت أن أقف عند مسالة هامة و هي حينما يدير المملكة رجالات بكامل الصلاحيات في مهمة مساعدة الملك على إدارة شئون دولته كما يحصل في كل دول العالم دون استثناء , ثم يجد الملك نفسه بين ليلة و ضحاها يقف وحيدا أمام موجه عالية و عاتية تسمى الحركة الطبيعية لتطور المجتمع و نمو مطالبه و قد تنصل من كان حوله من مسئولياتهم , لا بل يفاجأ بإنكشاف أمر بعض أركان دولته كأشخاص فاسدين , هذا الجانب من مهنة الملك يمكن وصفه بالثقة المفرطة و انعدام الذكاء السياسي .
فالاستعانة هي نوع من الادارة الحديثة التي تناقض مبدأ التفرد المطلق و لكن عدم الاشراف و المتابعة و المسائلة يقود الى فساد اساسه المثل الشعبي السائد " المال السايب يعلم السرقة " و ان لم تكن السرقة هنا هي المقصودة لوحدها . فتنقلب الاستعانة الى مصيبة و كارثة و يجد الملك نفسه متحملا لمسئولية ما يجري و مرد ذلك الثقة المفرطة و هذا ما يدلل على انعدام الذكاء السياسي .
فالملك ابتداء ينبغي ان لا يخشى اي نمو لوعي المجتمع و لحركة مطالبه بحكم تمنيه لرؤية دولة مزدهرة يكون على راسها قائدا و ملكا , بل يفترض الواقع انه سيشجع حركة التطور الاجتماعي ليشبع امنيته بالسيادة على مجتمع واع و غير جاهل . لان خلاف ذلك اشبه ما يكون في مملكة الغابة حيث يكون هنالك اسد و حيوانات جاهلة .
و الملك ينبغي ان يكون قريبا و مستمعا لمطالب المجتمع ... بحكم مهنته التي تتطلب كسبا و تعاطفا و تاييدا على الدوام من الراي العام , لا لكسب الاصوات التي هو في غنى عنها لكون نظامنا الملكي لا يحتاج الى اثنان للتصويت عليه , و انما لكسب محبة المجتمع الصادقة .
و الملك ليس بحاجة لتكرار عبارات و اغاني و اناشيد و صور و مسيرات الولاء و الموالاة فهو يعلم جيدا ان الاردنيين متفقين على وحدة النظام و لا يوجد من ينادي بخلاف ذلك و ان كل شيْ يتحقق بالقوة الا مسالة زواج محبة المجتمع للنظام الحاكم فانه لا يتحقق الا برضى و قبول الطرفيين .
كما ان الملك ليس بحاجة الى رفع صوره في كل منزل و ساحة و شارع و دائرة حكومية - للدرجة التي تلفت نظر كاتب اسرائيلي زار الاردن مؤخرا فشكك في جدية العلاقة بين الملك و شعبه , كما ان الملك يعي جيدا يعي جيداً ان المواطنيين يعلمون انه الملك و لا حاجة للتعريف بهويته و شخصه .
و الملك ليس بحاجة الى فزعة إعلامية تبيض له صورة الواقع و تلمع الفاسدين في مملكته فالملك يحتاج الى من يكشف له المزيد و المزيد من اوراق و ملفات الفساد ليعلم من خانه و خدعه و اساء ثقته التي منحه اياها .
لماذا نجد إذاَ خلاف كل ذلك على ارض الواقع ؟؟؟ و الهوة أخذة بالاتساع يوماً بعد يوم بين المجتمع و الملك ؟؟؟
لا اعتقد ان الملك يعلم بتفاصيل ما يجري من احداث على ارض الواقع او ان يطلب من موظفيه المحيطين به ان يوصوا برفع صوره امام المواطنين اينما ذهبوا لفرض الولاء القهري . او لحثهم على تنظيم المسيرات التي تناصره و تؤيده .
فعقليته اقرب الى الانفتاح و تقبل الراي الاخر و الابتعاد عن الفوضى لدرجة اني مقتنع جداً بان الملك لم يكن يفكر ابدأ بهذه المهنة قبل ان يكلفه الملك الراحل بها .
اعتقد ان هنالك من يخطط و يدبر و يسير الامور اعتقادا منه انه يحمي الملك من مطالب الاصلاح و هو يعلم يقينا ان مطالب المجتمع انما هي تطور طبيعي للحياة الاجتماعية لا يمكن ايقافه او يراهن عبثا على قدرته على ايقافه و لو بالقوة .
هو يعلم يقينا انه يضر الملك بتلك الخطط و التدابير و الاجراءات و لكنه يؤمن بسطوة القوة لترهيب و كتم الافواه و ان كان بخلاف المنطق.
و الواقع الذي يستشف من ردود افعال الدوائر الرسمية ينبأ بأن التقارير ترفع الى الملك أخر النهار لتصور له أن الامور كلها تسير على خير ما يرام بينما هي للاسف بركان يغلي يعلوه سحب فوضوية اختلطت بها المطالب بالمصالح .
قتل هؤلاء المجرمون بحقنا جميعاً كيف خططوا و دبروا ...
هل بالامكان جعل الاردن يسير عكس ما تسير اليه الامم و الدول !!!
هل بالامكان إيقاف عجلة التطور الطبيعي لحركة المجتمع !!!
هل بالإمكان فرض الولاء بالترهيب !!!
النهاية لا تكون على الاغلب كما خطط هؤلاء و دبروا ... فحركة المجتمع اقوى من اي تدبير او اجراء او تخطيط سيْ براي الشخصي ...
قد يسجن العشرات و المئات و العديد من الحراكات رغم فوضوية بعضها قد تخترق و لكن المجرى الطبيعي لنمو المجتمع و تطوره هو الذي سينتصر في النهاية لا محالة , و الحكمة السياسية تبرز هنا بضرورة سعي الملك لبناء اسس و دعائم اصلاحية لمملكته لضمان استقرار عرش ولي عهده مستقبلاً و عدم تعرضه لمطالب و هزات بالامكان تفاديها لو طبقت في وقتنا الحالي .
اعتقد ان الملك بحاجة الى وقفة جادة مع نفسه دون ان يكون الى جانبه احد من طاقمه الوظيفي لاعادة قراءه الواقع و مطالب المجتمع و لإعادة التفكير ملياً و جدياً بالمستقبل ...
الاصلاح ضروري جدا لحماية الملك و عرش ابناءه و لحماية مستقبلنا كمواطنيين . انه ليس بالامر المستعصي على الاطلاق ... انه مجرد أذن صاغية و شخطة قلم .
الاصلاح يتطلب مشاركة المجتمع و لا يرى عاقل ان في ذلك أي ضير
الاصلاح يتطلب مكافحة الفساد و لا يرى عاقل ان في ذلك أي ضير.
الاصلاح يتطلب حماية لحقوق الوطن و المواطنيين و لا يرى عاقل ان في ذلك أي ضير .
فأين الضير و أين الضرر في اختزال الوقت و اختصار المسافات و تحقيق الامن و الإستقرار و السكينة و الطمأنينة .
احيانا كثيرة اتسائل بيني و بين نفسي عن وقت الملك و كيف يقضيه و هل يتابع التلفاز و يطلع على نشرات الاخبار و على تغريدات و فسفسات المواطنيين على شبكة الانترنت ام ان تقارير اخر النهار توضح على الدوام صورة الوضع الطبيعي الهادىء الذي يهنأ به المجتمع .
فهل من المنطق أن يستمر القطار بالسير على سكة اصابها التقطيع من قبل قطاعي الطرق و لا يسقط في نهاية المطاف ؟!
لا ... لن اتمنى كمواطن لشعبي و لمجتمعي الضرر بان يحقق مطالبه عنوة عن النظام , لا نعلم ماذا يخبىْ لنا المستقبل بعدها
No comments:
Post a Comment