إستوقفني قبل مدة قصيرة إعلان هام عن قرب إطلاق مبادرة "إدراك ...
العلم لمن يريد " و هي بالمناسبة مؤسسة أردنية تحت رعاية الملكة رانيا
العبدالله , و شدّني الموضوع لما تتميّز به هذه المبادرة من نقلة نوعيّة و متطوّرة
جداً في إستخدام نمط جديد في تقديم العلم, لمن يريد و مجاناً .
و " إدراك " و نحن هنا لا نسوّق لها بقدر ما نستعرض المزايا
التي سيجنيها المقبلون عليها , هي الثانية
في العالم العربي بعد منصة أكاديمية دراسات اللاجئيين الفلسطينين, و إن كانتا
مقتبستين من تجربة غربية سبقتنا بأكثر من أربعة و عشرون عاماً تقريباً , إلا أنها
تمنح طالب العالم فرصة حقيقية بكل معنى الكلمة ليغرف ما شاء من العلم أو التخصّص من مصادره
الأكاديمية ( الجامعية على الأغلب ) , و أحياناً
كثيرة قد تكون الجهة المقدمة للبرنامج أو المساق جامعة عالمية مشهورة مثل هارفارد أو
مركز أوروبي أو أقليمي... الخ .
نحن نتحدث ( كما نأمل في مبادرة إدراك ) عن منصّة تعليميّة إلكترونية مكانها
المنزل أو المكتب , تُتيح لأي إنسان عربي أن يكتسب المعرفة لأي من المساقات
المتاحة, بدون الحاجة لدفع رسوم دراسيّة, و كل ما يتطلبه الأمر من الدراسين هو توفير جهاز حاسوب و تخصيص جزء من وقتهم لذلك, و
في ختام المساق و الذي غالباً ما يستغرق أسابيع معدودة تعتمد على طبيعة المساق و عدد مقرراته , يُمنح
الدارس شهادة من الجامعة التي قدمت البرنامج بعد مشاركته في عدد من المناقشات و
نجاحه في الإمتحانات السريعة المخصصة .
لقد إنتشرت هذه المنصّات الإلكترونية كرديف موازي للتعليم عن بعد في
الجامعات الغربية إبتداءً من مطلع تسعينيّات القرن الماضي , و تبنّتها جامعات عالمية
مشهورة إلى جانب مراكز إقليميّة و عالميّة كالإتحاد الأوروبي و بعض أجهزة الأمم
المتحدة و بعض المراكز الحقوقية و القانونية و الإعلامية من حول العالم , و الغاية منها إستقطاب الموظفين و طالبي العلم و
المعرفة نحو هذه المنصّة ضمن الوقت و الساعة و اليوم الذي يختارونه هم بانفسهم (ضمن
فترة زمنية محددة ) و بما تسمح إمكانياتهم الماديّة و لتلبية طموحاتهم العلمية و
الأكاديمية , ليس فقط لتزويدهم بحقول المعرفة , و إنما لتمكينهم من إكتساب مهارات
عمليّة و علميّة تمكّنهم من إستغلالها في حياتهم العمليّة و من خلال شبكة الإنترنت
كمهن أكاديميّة ( كالصحافة الرقمية و التسويق الإلكتروني و مهارات التواصل الإجتماعي
, و ما إلى ذلك من تخصصات و حقول أكاديميّة
و مهنيّة .
أغلب المساقات التي تقدّمها الجامعات و المراكز المرموقة و التي ينتسب
إليها عشرات الألاف في بعضها (دورة المجلس الأوروبي للصحافة لصحافة البيانات حيث
تقدّم لها أكثر من 21 ألف طالب و طالبة من جميع أنحاء العالم ) تقدّم مجّاناً
للدارسين و تمنحهم شهادة معترف بها دوليًاً , و هذا ما نتمناه من مؤسسة "
إدراك " أن تحذو حذو تلك المنصّات العالميّة .
و بالعودة لهذه المنصّة التي جربتها شخصّياً أكثر من مرة , فأنا أشجع
الشباب العربي على الإقبال بقوة و كثافة عليها للإستفادة منها لتنمية مهاراتهم
الموجودة لديهم في الأساس . و سيكون
محظوظاً من يحالفه الحظ و يستفيد أكثر من المنصّات الإلكترونية الموجودة في العالم
الغربي .
حينها سيكتشف أن الإنترنت ليس مصدر ترفيه و إضاعة للوقت , و إنما مجال واسع
جداً لحصد المعرفة و تنمهية المهارات العمليّة و إكتساب المهن , كما سيكتشف أن
العالم الغربي بات يتحدث حاليّاً حول " the life after google " في وقت ما زلنا فيه نستخدم بعضاً من أدواته لا أكثر , و بذلك سنتعرّف
أكثر على طبيعة الحياة لديهم , كما سندرك
جيداً كم هو الفاصل الزمني و التكنولوجي الذي يفصل بين مجتمعاتنا و مجتمعاتهم , و
أن الأمر لا يقاس دائماَ بمسافة جغرافية تُحسبُ
بالأميال .
No comments:
Post a Comment