احداث فلسطين هل هي حالة طبيعية لما خططت له اسرائيل ؟
01/06/2007
من الصعب جدا بل من المستحيل ان تحمل فريقا فلسطينينا مسؤولية ما يجري من اقتتال فلسطيني فلسطيني داخلي , فالطرفان يعيشان حالة من الاكتئاب و الضغط النفسيين الشديدين و ضمن دائرة مغلقة رسمتها اسرائيل سلفا للقضية الفلسطينية و لشعبها الكريم .
فتبادل الاتهامات بين الاطراف بانه المتسبب في الاحداث انما هي ظاهرة طبيعية تقوم على تفسير الواقع المادي الملموس من حيثية وجود حق و باطل - اوافق و عدم توافق .. الخ من تفسيرات الواقع المتناقضة , فكلا الطرفان المتنازعان يحملان بعضهما الاخر المسؤولية ابتداءا ثم ان كل طرف يدعي انه هو المحق و المصيب في سياسته و قراراته انتهاء , التي غالبا ما يختلف معه بشانها الطرف الاخر و هذا ما اوصل الفرقاء الى هذا الوضع ... فالوضع هنا طبيعي جدا نتيجة عدم التقاء المنهجين ( تنتهج فتح منهج علماني في المقاومة بينما تنتهج حماس نهجا اسلاميا في المقاومة ) و نتيجة لعدم الوفاق ضمن تشكيلة سياسية واحدة و نتيجة للظروف الشديدة التي يعيشها كل طرف .
و الخاسر هنا هو المواطن الفلسطيني الذي يعيش في الداخل و ليس القضية الفلسطينية لانه و ببقاء و استمرارية الفلسطنيين في الداخل فان القضية الفلسطينية تجد من يحملها على اكتافه و يتابع مسيرة المقاومة السياسية و العسكرية و بخسارة المواطن الفلسطيني فاننا لن نجد من يستمر في حمل القضية الفلسطينية و تسليمها للجيل اللاحق.
و بعيدا عن الحسابات و الوصف التقليدين لمثل هذا النزاع من توقف لمسيرة المقاومة او تحويل منهجها من مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي لصراع داخلي و بعيدا عن فداحة الامر و غرابته و بعيدا عن استفادة اسرائيل من هذا الصراع و تفاقم معاناة المواطن الفلسطيني الذي يعيش في الداخل , فان هذا الصراع و الاقتتال الداخلي الذي وصل الى حد القتل و التكفير و نشوء كيانات جغرافية ضيقة لكل طرف انما يعتبر قلة وعي من قياداتنا الفلسطينية و ان ما جرى و ما يجري حاليا و ما سيجري في المستقبل انما هو تنفيذا لا اراديا لسياسة اسرائيلية رسمتها اسرائيل للفلسطنيين منذ توقيع اتفاقية اوسلو في الثالث عشر من ايلول من العام 1993
ان ماساة القضية الفلسطينية بالفعل بدات بعيد توقيع اتفاقية اوسلوا العينة حين ابتهج القادة الفلسطنيين و الشعب الفلسطيني بحل جذري لصراعهم المرير الطويل و بانتهاء حالة تنقل القيادة الفلسطينية من بلد عربي لبلد و الاستقرار في كيان فلسطيني مستقل يجمع شمل الفلسطنيين بعد 45 عاما من النكبة ,,,, امام هذه الاحلام و الوعود الكاذبة التي قدمتها الولايات المتحدة الامريكية للقيادة الفلسطينية لم تستطع القيادة الفلسطينية الا المضي قدما و سريعا في التوقيع على اتفاقية اوسلوا المدمرة و لو كانت القيادة الفلسطينية تعلم بالغيب و ترى نتائجها بعد عشرة اعوام فقط من توقيع الاتفاقية لما وافقت عليها ( و للعلم فقط فان ما سنتذكره من نتائج حدثت بعد توقيع اتفاقية اوسلوا كان بمثابة الغيب للقيادة الفلسطينية و لو علمت به كما اشرنا سلفا لما وافقت عليها ) .
قبل استذكار هذه النتائج المفجعة التي حلت بالقضية الفلسطينية و بالتالي على مسار القضية الفلسطينية حري بنا ان نتطرق الى بعض الملاحظات الهامة جدا و التي غفلت عنها القيادة الفلسطينية تماما و هي:
لم تعي القيادة الفلسطينية تمام بان من دعى الى السلام في الشرق الاوسط بعيد انهاء حرب الخليج الاولى هي الولايات المتحدة الامريكية و لم تكلف نفسها عناء التفكير في الغاية من ذلك و لما تقدم امريكا على مثل هذه الدعوة و هي قد تضر بحليفتها اسرائيل و التي تتمتع بمصدر قوة لا يستدعيها لطلب مثل ذلك السلام او لا تبحث عنه بالقدر الذي يبحث عنه العرب انفسهم .
لم تعي القيادة الفلسطينية تماما بانها تفاوض طرفا شرسا عنيدا و قويا في نفس الوقت فكان حري بها ان تقدم تنازلات بقدر ما تحصل عليه من امتيازات لا كما فعلت منظمة التحرير من الغاء لبنود ميثاقها الوطني فيما يختص باسرائيل جملة و تفصيلا و حتى قبل ان تحصل على وقائع ملموسة .
لم تعي القيادة الفلسطينية تماما بان دخولها كطرف مفاوض مع اسرائيل قد اكسبها الشخصية القانونية للدولة ( رغم عدم وجود مقدرات و امكانيات تسمح للقيادة هنا بمجاراة اسرائيل ) نظرا لتوفر عناصر الدولة الثلاث : الاقليم ( غزة و اريحا ) و السلطة و الشعب
لم تعي القيادة الفلسطينية بان ممارستها الحقيقة للسلطة سيتعارض مع استمرارية الانتفاضة الفلسطينية الاولى (1987) و التي لم تستطع اسرائيل ان توقفها , و ان هذه الممارسة الفعلية للسلطة سيوقف الانتفاضة و هذا ما حدث بالفعل . نظرا لتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني( و لو من الناحية النظرية فقط ) من كيان مستقل لهم .
لم تعي القيادة الفلسطينية تماما بان وجودها كطرف مفاوض يتمتع بالشخصية القانونية الدولية مع اسرائيل سيوقف الدول العربية عن التدخل في مسار المفاوضات , لانه و من الناحية العملية لا مبرر لتدخلهم كون دعوة السلام التي اطلقها جورج بوش الاب في العام 1992 لم تكن للفلسطنيين وحدهم بل وجهت لكل الدول العربية و خصوصا الاردن ( التي وقعت اتفاقية وادي عربة في العام 1994) و لم تتقدم مباحثات السلام بين سوريا و لبنان من جهة و اسرائيل من جهة مما ادى الى توقف المفاوضات , اما فيما يختص بمصر فهي كانت قد وقعت اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع اسرائيل في العام 1978 فهي لم تكن معنية استراتيجيا في الدعوة الى السلام .
لم تعي القيادة الفلسطينية تماما بانها و للاسف لا تمثل كل الاصوات و الاراء الفلسطينية و لم تقدر عمليا ما هو حجم قوة كل فصيل فلسطيني موجود في الضفة الغربية و قطاع غزة ( فحركة حماس مثلا و عبر نشاطاتها الاجتماعية الدينية تستحوذ بما لا يقل نسبته عن 40 % من الاصوات الفلسطينية
و من هنا نجد بان القيادة الفلسطينية سارعت الى توقيع اتفاقية اوسلوا بدون وجود مقومات تسمح لها بالاملاء على اسرائيل ( من منطلق امتلاك اوراق قوة مثل الانتفاضة و بنود الميثاق الوطني التي حذفت بطرقة مهينة للقضية و البقاء في الصف العربي كموجه و داعم و متدخل بالمفاوضات ) و لم تنظر القيادة الفلسطينية الى الواقع الفلسطيني الذي كان قائما و ما زال في الاراضي الفلسطينية و لم تقرا مدلولاته بعناية فالاقتصاد الفلسطيني مرتبط كليا بالاقتصاد الاسرائيلي الا من استعمال بسيط للعملة الاردنية في حالات استثنائية كتحديد المهور و شراء الاراضي و بخلاف ذلك فان الاقتصاد الفلسطيني و ملحقاته من سوق العمل و البنى التحتية كلها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الفلسطيني , كما ان القيادة الفلسطينية غفلت عن نقطة مهمة عند دخولها الاراضي الفلسطينية و هي بكيفية التعامل مع المواطن الفلسطيني الذي يعيش في الداخل فالمواطن الفلسطيني عاش لمدة خمسة و اربعين سنة بدون سلطة مباشرة عليه تحكمه ( مما ولد لديه نوعا من الاستقلالية الادارية في اتخاذ القرار و التمرد على اي وضع قد يستجد عليه ) فمن الصعب على اي سلطة حاكمه ان تضبطه وتوجهه ضمن مسار محدد قد يختلف ووجهة نظره و مبادئه, كما اغفلت القيادة الفلسطينية بان جزءا لا باس به من الشعب الفلسطيني( حركتي حماس و الجهاد الاسلاميتين ) لا يتفق و اياها على اتفاقية اوسلو ا.
و سرعان ما واجهت القيادة الفلسطينية عددا من المشاكل الداخلية تمثل اهمها في :
التذمر الشعب من اداء و عمل السلطة الفلسطينية : حيث فرضت السلطة الفلسطينية عددا من الضرائب لغاية تمويل النفقات
تقلص اعداد العمال الفلسطنيين العاملين داخل الخط الاخضر و اتخاذ اسرائيل بوجود كيان فلسطيني مستقل لهم كذريعة لتقليص اعدادهم
عدم وجود الرقابة الادارية و القضائية على مؤسسات و اجهزة السلطة الفلسطينية مما اوجد بيئة خصبة للفساد المالي وصل ذروته في العام 2005 و من المفارقات ان هذا الفساد كان من العوامل الرئيسية التي دفعت الناخب الفلسطيني المنتمي لحركة فتح لانتخاب مرشحي حركة حماس بحثا منه عن التغيير للافضل .
و بالعودة الى ما حققته اتفاقية اوسلوا للقضية الفلسطينية و بالتالي للشعب الفلسطيني نرى مآسي و فواجع يندب لها الجبين و لا تليق لتكون نتيجة لنضال فلسطيني استمر لنصف قرن و ندرك تماما بان القيادات الفلسطينية على اتحاد غايتها و اختلاف منهجها في المقاومة غير مسرورة لتلك النتائج و لكنها واقع محتوم لكل من لا يحسب حساباته بشكل صحيح و لكل من لا يقدر خصمه المفاوض و يستعد له بشكل صحيح و لكل من لم يسترشد بتاريخه حين يتعلق الامر بمفاوضة اسرائيل ( لقد قتل اليهود عددا غير قليل من الانبياء و عارضوا احكاما الهية و لم يطبقوا الوصايا العشر و احتلوا فلسطين بارادة و لغاية دينية بحتة فكان حري بالقيادة الفلسطينية ان تتسلح بشي من الذاكرة الاسلامية و لو قليلا (.
ان اولى نتائج اتفاقية اوسلوا المشؤمة و الغير ملموسة ماديا ( اي لا يستشعر بها المواطن الفلسطيني ) انها حولت النزاع و الصراع من اجل فلسطيني من صراع اسرائيلي - عربي ( ارهق اسرائيل سياسيا و اقتصاديا و نفسيا ) الى صراع فلسطيني - اسرائيلي بحت ( مما افقد القضية الفلسطينية 50% من مكانتها و مؤيديها ) وجعل الاسرائيليين يتنفسون الصعداء بالتفاوض و باملاء الشروط كونهم بتفاوضون مع طرف ضعيف.
و ثاني النتائج المدمرة على الشعب الفلسطيني هي عدم وفاء اسرائيل بوعدها بتاسيس الدولة الفلسطينية المستقلة ذات الحدود الدولية المعترف بها و التي ماطلت اسرائيل الفلسطنيين كثيرا بتلك الوعود.
مصادرة اكثر من 35 % من اراضي الضفة الغربية لصالح بناء المستوطنات. في الضفة الغربية .
توقف الانتفاضة الفلسطينية الاولى نهائيا في العام 1993 بعد توقيع الاتفاقية المشؤومة.
قبوع اكثر من 14 الف اسير فلسطيني في سجون الاحتلال الاسرائيلي
انهيار الاقتصاد الفلسطيني كليا ( نتيجة الحصار و العطالة عن العمل و عدم تدفق رؤوس الاموال و انهيار الامن ) و تقلص مساحة الاراضي الزراعية ( نتيجة التجريف و المصادرة ) و انخفاض مستوى الدخل للفرد الفلسطيني من ( 6000 دولار سنويا في العام1992 350 دولار حتى اوائل يونيو من العام 2007 ).
بناء الجدار العازل في العام 2002 و الذي حول الضفة الغربية لثاني اكبر سجن في العلم بعد سجن غزة المحاط بالاسلاك الشائكة .
تقطيع اوصال قرى و مدن الضفة الغربية باكثر من 500 حاجز عسكري .
عدم التزام اسرائيل باي اتفاقية وقعتها مع السلطة الفلسطينية مثل الاستقلال بعد توقيع الاتفاقية بخمس سنوات و الممر الامن بين قطاع غزة و الضفة الغربية - اطلاق سراح الاسرى و غيرها الكثر من الاتفاقيات التي وقعت و لم ترى النور .
امام هذه النتائج المأساوية و المفجعة التي يجدها المواطن الفلسطيني امامه صباحا و مساء تثور عدة تساؤلات لا يقل احدها اهمية عن الاخر و نسال انفسنا سؤالا هاما .
ما هي الايجابيات التي تحققت للقضية الفلسطينية اذا اردنا ان نكون ديمو-واقعين في الاستماع للراي الثاني الذي يؤيد اتفاقية اوسلوا ؟
ما مدى تاثير هذه النتائج على القضية الفلسطينية و على المواطن الفلسطيني ؟
ماذا نستطيع ان نحقق مستقبلا بالمقومات المملوكة حاليا ؟؟
هل الصراع الفلسطيني الداخلي هو نتيجة لاتفاقية اوسلوا ؟
ما مستقبل ملف اللاجئين الفلسطنيين المشتتين في كل دول العالم ؟؟
و غير ذلك الكثير من التساؤلات التي تطرح نفسها امام هذا الواقع الفلسطيني المرير و ما الت اليه نتائج اتفاقية اوسلوا و اخرها تحول الصراع من صراع فلسطيني - اسرائيلي الى صراع فلسطيني - فلسطيني تحول سريعا الى اقتتال دموي اوقع خلال عام و نصف ما يزيد عن (600 قتيل فلسطيني ) و عطل اداء الحكومة و اعمالها مما اثر بشكل مباشر على الحياة المعيشية للمواطن الفلسطيني و حولها الى كابوس يومي يرى من خلاله انجازات و تضحيات الشعب الفلسطيني خلال ستين عاما تاخذ مكانا جانبيا ليتحول مكانها مشهدا مؤثرا من الافتراق و الاختلاف بين الاخوة وصل الى استحلال المواطن الفلسطيني لدم اخيه الفلسطيني و تدمير ممتلكات و مؤسسات الشعب .
بامكاننا القول ان اسرائيل نجحت في استدراج القضية الفلسطينية و الفلسطنيين الى منحنى اخر و تحويله للمرة الثانية ( بعد التحويل الاول من صراع عربي - اسرائيلي الى صراع اسرائيلي - فلسطيني ) الى منحى اكثر خطورة .. الى صراع فلسطيني - فلسطيني , مما يعني تحويل حياة المواطن الفلسطيني الى جحيم ( ستطره الى الهجرة ) و توقف المفاوضات مع اسرائيل و ضياع ملفات مهمة كثيرة مثل ملف اللاجئين و القدس .
هذا ما حصلنا عليه من نتيجة حتمية و طبيعية .. جوبهت فصائلنا بمجموعة من الظروف القاسية و لم يترك لها هامش واسع للتحرك و لاتخاذ القرار ان حالنا اشبه ما يكون بحال غارق في بطن حوت يستصرخ و لا يسمع استغاثته الا الحوت .. او بالاحرى يمكن تشبيه حالنا بوضع الدول التي قسمها الاستعمار و زرع بينها الحدود و تكفلت بعد ذلك تلك الدول بالتصارع فيما بينها.
يجب ان يعي الشعب الفلسطيني و قياداته على اختلاف مناهجهم حجم الفتنة التي وقعوا فيها و البحث عن مخارج سريعة لها و ليس البحث عن نتائج الاختلاف و التركيز عليها و تضيع فرصة التفاهم و الاتفاق.
يجب ان يدركوا بانهم ليسوا معصومين عن الخطا و ليسوا بوريثين للقضية و انما عاملون لخدمتها و التضحية لاجلها , و النظر الى الانسان الفلسطيني على انه الثروة و العنصر الاول و الاهم في هذه القضية و الحفاظ على كينونيته و حياته
لتتق الله قياداتنا الفلسطينية و لتعي حجم المشكلة و من هو خصمها و لتتفق على نهج واحد مشترك يجمعها في بيت واحد و الابتعاد عن الولاء الاعمى للفصائل .
No comments:
Post a Comment