يربط بعض الأردنيين للأسف وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب
السياسية لدينا و بين ما يسمعونه من وسائل الاعلام المختلفة عن مصطلحات و مشاريع
تنمية حزبية كالدعوة الى التمكين الديمقراطي و الوعود بممارسات ديمقراطية فعّالة, بأن
هنالك ثمة وضع صحي - نوعي و متطور يشهده العمل الحزبي , و بأنه بات قاب قوسين أو أدنى
لدخول الأردن إلى نادي الدول الديمقراطية , التي تنعم فيها الأحزاب السياسية
بالإرادة و التمكين و العمل الحر .
في الواقع إن تحليل صورة الوضع الحالي للأحزاب السياسية
لدينا تكشف لنا عن وضع مزري , و لا يخلو من النقد السلبي , متعدد الأوجه , و التي
تؤكد المقولة القائلة " بأن الدولة لدينا مستعدة لإنفاق الملايين من الدنانير
لتتحدث و تروج حول الديمقراطية و التنمية الحزبية, و لكنها غير مستعدة مطلقاً في
الوقت الراهن لإتخاذ أي إجراء ديمقراطي واحد يصب في ذلك الإتجاه ؟!
تلك المقولة و ذلك الوضع هو ما يجعلنا نتسائل على الدوام
" لما و لماذا و أين " حينما
نتحدث عن حقيقة هذا الوضع .
فالمنطق يقول , أين هو دور الأحزاب الإفتراضي في التواجد
بفاعلية و حيوية داخل مجلس النواب ؟ و في تشكيل الحكومات البرلمانية ؟ و متى كانت
كذلك ؟
و أين دور تلك الأحزاب الافتراضي لتؤدي دورها الذي
أُنشئت لأجله لتكون معارضة وطنية نموذجية بنّاءه, تعارض الحزب الحاكم الفائز
بتشكيل الحكومة ؟
و لماذا ما زالت تتدخل الأجهزة الأمنية على إختلاف
مسمياتها علانية في تأسيس الأحزاب السياسية و إيقافها و رفضها و زرع العيون داخلها
؟
و لماذا سمحت و تسمح , بل و تشجع , دون وجود أدنى معايير مشترطة لتحقيق التنمية
الحزبية , على إنشاء الأحزاب الفردية التي لا تحمل فكراً أو رؤية أو تواصلاً , و
تغدق عليهم بالدعم و المعالي و الرضا , و لم تتفضل و لو لمرة واحدة من باب التنمية
الحزبية الحقيقية بأداء دور الرقيب و السائل
و الطارق لأبواب الأحزاب , للإستسفار عن أوجه الإنفاق المالي لديها أو خطة العمل
السنوية او مدى تواصل شريحة المجتمع معها ؟ فيما لو كانت تصبو نحو التنمية الحزبية
حقيقية لا إدعاءً ؟
و لماذا نسمع في الأردن دون غيره من دول أندية
الديمقراطية الحزبية , كما يزعم مروجوا ذلك الإنتقال بمصطلح الحزب الوسطي و بمصطلح الحزب الموالي ؟
فهل في العمل الحزبي ما يتطلب الترويج لوجود أحزاب وسط (
بين ماذا و ماذا ) ؟ أم أنه كما يُعلمنا المنطق أن الحزب تقوده المواقف و الظروف ,
إما تأييد و إما معارضة لبرنامج او مشروع
حكومي ما ؟
و الموالاة هنا ضد من و لمن ؟ علماً أن جميع الاحزاب السياسية على إختلاف ألوانها
السياسية مرخصة قانوناً و ذات أهداف واضحة و ليس لديها أي خلاف حول طبيعة و وجود
النظام الملكي , فلماذا وُجدت الأحزاب الموالية و تم الترويج لها ؟
لماذا لم تحارب الدولة لدينا العرف السائد و الذي بات
يأخذ حكماُ أقوى من القانون و الدستور ( كالتضييق و المنع من تولي الوظيفة او
الحرمان من المقعد الدراسي أو المشاركة بسبب إنتماء الأب او الجد لحزب سياسي ) رغم
أن الدستور و القانون منعا مسائلة المواطن بسبب إنتمائه الحزبي ؟
لماذا لم تروج الدولة حقيقةً لتصحيح المفاهيم السلبية في
العمل الحزبي التي يعاني منها و بسببها , بدل الترويج للوعود الديمقراطية حتى تكون
اقرب الى المصداقية و الواقعية ؟
و أين دور وزارة الشئون السياسية و البرلمانية (الشبيه
بدور معهد التنمية الحزبية ) في تنمية
الفكر الحزبي و برامجه و بناء القدرات الداخلية للأحزاب و التمكين الإعلامي لها و
توعية المواطنين بالثقافة الحزبية , أم أُختزل الدور ببضعة ورش للعمل ؟
أين هي الخطوات الحقيقية في تنمية العمل الحزبي و نحن
نتحدث عن نسبة أقل من 2% فقط من مجموع السكان ممن ينخرطون أو يؤيدون أو يعملون في
العمل الحزبي ؟
ألا يستحق مثل هذا الوضع المزري من دولتنا أن تسعى لتصحيح
مفهوم المعارضة النموذجية للأحزاب و توضيح دورها الحقيقي و الترحيب به , بأنها وُجدت
لتحافظ على الوطن و المواطن كما هو دورها تماماً , و أن وجودها حالة طبيعية و ليس عبءً عليها كما
يتهيأ لها , نتيجة تطور و نمو فكر المجتمع.
ألا يستحق مثل هذا الوضع أن تسعى الدولة لدينا للتعريف بمعنى
الإخلاص الحقيقي للوطن ,متمثلاً بالعمل على مراقبه أداء الحكومة من التغول أو
الإعتداء على حقوق الوطن و المواطنين , و
أن تُعرف لنا معنى المواطنة و الإنتماء الحقيقيين بأنهما يتمثلان بالعمل على خدمة
المجتمع و تغليب المصلحة العامة , و الدفاع عن حقوق المواطنين تحت قبة البرلمان و
مسائلة الحكومة عن أي تقصير .
و أن تبادر لتُعرف لنا معنى الولاء الحقيقي , بأنه يتمثل
بإحترام و تقدير النظام السياسي و ليس إطلاق الترهيب و التشكيك و صفة الخيانة على
من قدّم او تقدم بإنتقاد بنّاء , بعيد كل البعد عن الخيانة و عدم الولاء كما تفسره
الدولة .
الأحزاب لم تُختلق لتكون شماعةً أو عبءً ديمقراطياً كما
توضحه صورة الوضع الحالي لدينا للأسف , لان هذه الشماعة ستنكسر لا محالة يوماً ما
بسبب زيادة هذا الحمل الزائد .
و لم تًختلق الأحزاب لتقدم الولاء و الإنتماء المزيفين و
بيع المواقف و التغاضي عن الأخطاء مقابل تحقيق مكاسب هي في الأصل من حقوق المواطنين
و من مخصصات التنمية المفروضة لها بالاصل , و ليست منًة او منحة موهوبة ؟
نريد أحزاباً فاعلة و مؤثرة يتلمس المجتمع و المواطن
مزايا وجودها , و قبل أن نحلم أو نطالب بمثل هذه الصورة ,ينبغي على دولتنا الموقرة
أن تجيب على سؤال تطرحه على نفسها , هل هي مستعدة للتنازل عن بعض الصلاحيات لصالح
الأحزاب إذا أردنا تفعيل وجودها و تنمية العمل الحزبي ؟
No comments:
Post a Comment