4/07/2014

الدولة و الأحزاب السياسية ... و الفترة الإنتقالية

تستخدم دولتنا الموقرة من حين لأخر سياسة الإختراق و المشاغلة بالشيء , معتمدة على عاملي الظرف و الحاجة المواتية , كدرع واقٍ لها ضد أي مشروع لا تعتبره مشروع إصلاحي أو تنموي , من منطلق قناعتها بأن الوصايا على ذلك المجتمع و غن بلغ سن الرشد, مستمرة لأنه ما زال قاصراً بنظرها , كيف لا , و قد كانت تطلق عليه يوماً ما بأنه الأكثر طاعةً لحكوماته خلال القرن المنصرم .



و من ذلك ما نرى حالياً من مشاغلة لأحزابنا السياسية حول تفاصيل قانون الأحزاب المثير للجدل حقاً , و الذي أثار حفيظة 99% من أحزابنا السياسية و الذي لا يقدم و لا يؤخر حسب رأي أحد أمناء الاحزاب السياسية  في ظل استمرار غياب قانون إنتخاب ذي أولوية و أكثر أهمية من قانون الأحزاب لانه مفتاح الإصلاح السياسي .
حقيقةً , لا تهمنا تفاصيل قانون الأحزاب المنوي تقديمه إلى مجلس النواب قريباً , مفترضين أنه حتى لو جاء على قناعة و موافقة جميع الاحزاب و خلا من الصفة الامنية و من العقوبات المكررة و أُعتمدت مرجعية مستقلة كما تطالب الاحزاب و زيد عدد المؤسسين أم نقُص ....  فماذا سيتغير على المشهد الحزبي  لدينا في الأردن ؟!
فكل تلك التفاصيل لا قيمة لها و لا تستحق مثل تلك المشاغلة و إهداراً للوقت في ظل غياب قانون إنتخاب ديمقراطي و نزيه و حر , يمكّن الأحزاب من الوصول الى البرلمان , و تشكيل الحكومات البرلمانية كما دعت إلى ذلك أوراق النقاش الملكية .
دولتنا تعي جيداً , أن تمكين الأحزاب في الوقت الراهن , له ثلاث سيئات ( كوارث بالنسبة لها ) :
- سيساهم في تقليص صلاحيات الملك الدستورية , لصالح الحكومات البرلمانية , و هذا أمر لم يحدث في العالم العربي عموما ً و في الأنظمة الملكية منها خاصة ً , بالتالي ستجد دولتنا نفسها تطبق مبادىء الملكية الدستورية حتماً .
- الحد من صلاحيات الدولة الأردنية ( دائرة المخابرات العامة ) لصالح الحكومات البرلمانية المشكلة من الأحزاب , و بالتالي إنحراف بوصلة السياسة الأردنية ( الداخلية و الخارجية )  360 درجة بما لن يتوافق مع مسار الدولة الحالي .
- عدم نضوج الفكر الحزبي داخل الأردن بشكل عام , في الوقت الراهن , و  بالشكل الذي يؤهله لتشكيل و إدارة الحكومات , و بالتالي التحكم بمصير العباد و البلاد  و جر البلاد ( تفسير الدولة ) الى فوضى سياسية و عدم إستقرار.
أما السبب الأول فحدوثه أمر حاصل لا محالة مع مرور الوقت , بسبب حركة النمو الطبيعية للمجتمع حيث يزداد الوعي بإطراد مع إزدياد المطالب , ما لم تختار الدولة تحجيم و تجيير ذلك النمو و عدم الرضوخ إلى مطالبه , و هذا سيقودها إلى صدام مباشر مع المجتمع الذي سيتحول إلى حراك يزداد حجماً و تمدداً و قوة مع الزمن )  فالمتابع لحركة نمو و تطور المجتمع الأردني خلال القرن الماضي و مطلع الألفية الثانية , يلحظ بأن مجتمعنا في الوقت الراهن ,  ليس كما كان في سبعينيات و ثمانينات و تسعينيات القرن الماضي , و في هذا تفصيل يعيه جيداً علماء الإجتماع .
أما السبب الثاني و الذي سيشكل و الذي قد يشكّل أرقا و قلقاً كبيرين لدولتنا ,  و ما كان ليكون بهذا القدر من الأرق , فيما لو كان لدينا فكر حزبي ناضج بكل معنى الكلمة , اذ لا تجد دولتنا تفسيراً منطقياً يقنعها بتمكين الأحزاب السياسية من تشكيل الحكومات و بالتالي تغير بوصلة السياسة , دون وجود تفاهمات مشتركة حول الكثير من القضايا الداخلية و الخارجية , كقرارات السلم و الحرب و الحياد و التعاون . و في ذلك تفصيل , و هذا مبرر منطقي للدولة براي الشخصي  غن كنا نتحدث عن تغليب للمصلحة العامة عندما ينعدم البديل الجيد .
و بخصوص السبب الثالث ... فإنه لا بد أن نكون منطقيين قدر الإمكان و نحن نتحدث عن دور محتمل لأحزابنا السياسية  في تشكيل الحكومات , و إدارة مرافق الدولة بحيث تكون مستقرة التشكيل و قوية البنيان و قادرة على الايفاء بالتزامتها و واجباتها دون عراقيل تذكر  , لأننا نتحدث عن إستقرار مجتمع و دولة مرتبطين بإستقرار أي حكومة حزبية قد تُشكل , فالثمن كبير هنا , لأن الرهان أكبر , و لا مجال للتجارب العبثية هنا .
فهنالك برأي الشخصي , حزب واحد فقط , قادر على تشكيل حكومة بمفرده و لكنه غير قادر على جمع تأييد سياسي كاف لديمومة عمله و تطبيق برنامجه , و بالكاد سيجد بيئة مناسبة تمكنه من العمل بحرية .
و هنالك مجموعة أحزاب , مشتركة الفكر , قادرة مجتمعةً على تشكيل حكومة , و لكنها لن تكون قادرة على كسب تأييد و إجماع لسياستها و برنامجها , و بالتالي لن تكون قادرة على إدارة مرافق الدولة و تأمين الإستقرار السياسي اللازم .
و هنالك باقي الأحزاب السياسية  الأخرى , لا أعتقد أنها  قادرة , مجتمعةً , على تشكيل حكومة متوافقة فيما بينها , و لن تحظى بأي دعم سياسي أو شعبي و ستخسر في أول جلسة منح ثقة لها و قد تُهيأ البلاد للدخول في دوامة عدم الإستقرار السياسي .
فعند الحديث عن مدى جاهزية أحزابنا السياسية لتشكيل الحكومات البرلمانية و إدارة مرافق الدولة , سنجد الكثير من العراقيل ستعترض تشكيل أي حكومة أو ستعترض إستمرارها و إستقرارها في أحسن الأحوال .
إن ذلك مرده إلى وجود أو عدم وجود  القيادات الحزبية , صاحبة الشخصية القوية و القيادية و صاحبة الفكر الحزبي , و لوجود أو عدم وجود برنامج عملي للأحزاب قابل للتطبيق ( ليس ذلك البرنامج المكتوب و المنشور في كتيبات الأحزاب فهو لم يطبق عملياً للوقوف على نتائجه , حيث لا مجال للتجارب هنا ,  و مرد ذلك أيضا إلى وجود أو عدم وجود قاعدة جماهيرية للأحزاب تمكنها من الإستمرار و تمدّها بالتأييد و الدعم اللازميين .
و أبسط مثال حول منطقية السبب الثالث , يكمن في فرضية إصدار تكليف سامي  للأحزاب السياسية لتشكيل الحكومات , و إدارة مرافق الدولة , فليدعوا كل حزب سياسي مثلاً قياداته الحزبية ,و ليناقشوا برنامج العمل ( للرد على كتاب التكليف ) المفترض ) ليعرف كل حزب سياسي مدى قدرته المتوافرة حالياً و مدى جاهزيته لتشكيل حكومات برلمانية أو المشاركة في إئتلاف حاكم .
لا أعتقد البتة , انها مسألة سهلة و يسيرة لاحزابنا السياسية في الوقت الراهن على الاقل , رغم أنني أتمنى حدوث ذلك في أسرع وقت , و لكن ليس قبل جرعة طويلة من دواء مر , عزائها الوحيد أن الدولة ستشاركها في جرعه لتجاوز السبيين الاول و الثااني سالفي الذكر .
أتمنى رؤية فترة إنتقالية ( بإختيار و قبول الدولة و الأحزاب السياسية معاً ) محكومة بفترة زمنية محددة ( ثلاث سنوات او خمس , تزيد أو تنقص ) ,  يُشترط وجود قناعة لدى الدولة بأنه لا مفر لها,  إلا بقبول تطبيق السبيين الأول و الثاني , فيما لو أرادت أن تبحث عن إستقرار سياسي طويل الامد و متين للمملكة الحالية او الخامسة و السادسة و السابعة ... الخ .
الغرض من هذه الفترة الإنتقالية , تأهيل الأحزاب السياسية ( و إن كان لدينا منها من هو مؤهل بالفعل , فكراً و قيادةً و برنامجاً ) لتمكينها من بناء قياداتها الحزبية الواعدة التي تحمل فكراُ حزبياً قادراً على إنشاء و إدارة حكومة و الإجتماع برؤساء دول و حكومات  .
و ذلك بالتوازي مع قيام الدولة بالتمهيد لتأسيس قانون إنتخاب ديمقراطي و حر , تضمن نزاهته و تقوم بدورها الواجب و المشروط بنشر التوعية و ثقافة الإنتخاب المبنية على تغليب المصلحة العامة و الترويج لمستقبل الاحزاب عبر وسائل الإعلام لتشجيع المواطنين على الإنخراط في مستقبل العمل الحزبي و محاربة العرف الغليظ السائد و الذي يمنع المواطنين من الإندماج في الاحزاب السياسية .
هو إقتراح بسيط , يحذر الدولة من تداعيات الإستمرار في تهميش دور الاحزاب بل و يحذرها , من عدم مبادرتها للسعي نحو تنمية الاحزاب و تأهيليها حتى نتفادى فوضى سياسية و عدم استقرار للمجتمع و الدولة في المستقبل .

No comments:

More Labels

2012 مقالات حقوق الانسان العدالة الإجتماعية 2011 احزاب ثورات الغضب الشعبية حملات تضامنية 2014 فساد صور 2015 إعلام الانسان العربي courses certificates online دورات سياسة 2013 أفلام 2008 جرائم ضد الانسانية اديان 2010 حزب الخضر الأردني فلسطين الشرق الاوسط منقول تعليم التمييز العنصري الشباب العربي برامــج سلسلة قانون تراجيديا 2016 ديمقراطية press 2007 ENGLISH media اطفال مصطلحات حقوقية وثائق 2006 تنمية كتب مذاهب سياسية اعلان حريات حقوق تائهة تدوين حرية تعبير 2005 الانتخابات العنف تعذيب دليل دراسي ورش عمل 2009 الإنترنت حقوق المواطنة فكر الإخوان المسلمين البيئة المرأة جوائز حقوق الانسان رسائل شعر و أدب إنساني مظاهرات نشطاء حقوق اللاجئين green policy ارهاب اعلام الحروب الحرية الشفافية العراق المقاومة تقارير جامعات حماس اغاثة العدالة العنف الجامعي اليوم العالمي ايران تنمية سياسية عنف اعتقالات الجزيرة العشائرية ثورة العبيد سلام ويكيليكس Ecology اجندة حقوق الانسان اكراد الإمبريالية الامم المتحدة اليوم العربي انتخابات بروشورات حقوق الاقليات حقوق المعاقيين صحافة مبادرات معاهدات و اتفاقيات 2016 certificates ISIS interview إضراب الاستبداد البرنامج النووي البطالة السلطة الرابعة الغام الملكية الفكرية جامعة الدول العربية حقوق سياسية دراسات سياحة عقوبة الإعدام قافلة شريان الحياة مجلس النواب مدونة سلوك مقابلات منح