" الدولة الذكية هي التي تخطط لمستقبل نظامها السياسي و تقوم بإصلاح
ذاتي دوري لأعمدة نظامها من تلقاء نفسها مستعينة بعلماء الإجتماع السياسي في إدارة
الدولة , و ليس على الإدارة الأمنية دون
غيرها "
قد لا يحظى بعضنا , و الله أعلم , بفرصة لرؤية عهد المملكة الخامسة , أطال
الله في عمر مملكتنا الرابعة و مليكها , و هذا ما دفعني للكتابة حول تلك الفترة
التي لا نعلم كيف ستكون ملامحها و درجة إستقرارها , خشيةً أن تنتقل إليها تراجيديا
المعاناة التي نعيشها, و بالتالي توريثها لأبنائنا, بدل التفاؤل بالحديث معهم عن طموحاتهم
و خططهم في الحياة , فيما لو قدر الله لنا العمر ان نراهم .
برأي الشخصي , لم يعد هنالك أي بارقة أمل لرؤية نتائج حقيقية للإصلاح و قطف
ثمارها في عهدنا , طالما يتحدث الملك عن وجود ديناصورات و قوى شد عكسي , يتطلب
إنقراضها و إختفاء تأثيرها و تداعيات فترة وجودها التي إمتدت لعشرات السنين , يتطلب
عشرات أخرى من السنين لإزالة تلك التداعيات و التأثيرات.
و من جهة أخرى , نرى و نسمع و نقرأ عن برامج حكومية كثيرة و متعددة تتحدث
عن تدرج في الاصلاح , و كل درجة تتطلب من خمس إلى سبع سنوات من التطبيق, فيما لو قدر لها أن تطبق و تنجح .
و ما نراه من جانب أخر , و الذي
يزيد من عدم تفاؤلنا بتحسين الوضع الحالي خلال فترة العشرة أو العشرين
عاماً القادمين , من خطوات إصلاحية , فهي للأسف , قاصرة و بطيئة و غير كافية لإثمار
نتائج الإصلاح , و بعيدة كل البعد عن صميم
الإصلاح الجذري لأعمدة النظام , و هي أشبه ما تكون بورشة دهان , يستعمل لتغطية الفساد
, لن يزيل التصدّعات التي أصابت الأعمدة مطلقاً , , أياً كانت جودة و نوعية ذلك
الدهان المستعمل.
فما سكون الحراك و هدوءه مع بقاء أسبابه و عدم معالجة الجذور التي مهدت
لنشأته , إلا بمثابة قنبلة مؤقته , إستطاع خبرائنا بحكنتهم و دهائهم إبطال مفعولها
مؤقتاً , دون أن يتمكنوا من إزالتها.
لقد أخطأ نظامنا السياسي خطأً فادحاً عندما تصرف بأنانية واضحة , و لم يربط
بين حاضر المملكة و نظامها الملكي – الوراثي - الهاشمي , و مستقبلها , بأن فسّر
ظاهرة الحراك الإصلاحي , تفسيراً سلبياً , يهدد النظام , بدل النظر إليه على أنه
تحذير طبيعي يفيد بوجود خلل إداري داخل الدولة , سيؤثر على مستقبل المملكة .
فكان الأولى من نظامنا السياسي أن
يشكر دعاة الإصلاح و حراكه , لما قدمه من خدمة عظيمة له في كشف الفساد , و لم
يستغل ذلك لمراجعة حساباته , و يفكر بقلق مثلنا حول مستقبل المملكة الخامسة لولي
العهد , تماماً كما نقلق نحن و نفكر كيف سيكون مستقبل أبنائنا فيها.
و هذا في الحقيقة يسبب لي الآرق لمجرد التفكير به , و هو همٌ و شرٌ و بلاءٌ
, لا بد منه , في ظل آرق التفكير بمستقبل أكثر أماناً و إستقراراً لأبنائنا .
فكما سرق الفاسدون هذا الوطن من باب حرصهم على تامين مستقبل أبنائهم , فإنه
من حقنا نحن أيضاً أن نتحدث و نحلم لأبنائنا بفرصة جيدة للتعليم , و تأمين صحي
ينعمون به , و بيئة تطبق فيها القوانين بمساواة
حقيقية و فرص إقتصادية تضمن لهم فرصة عمل على أقل تقدير , و نظام سياسي قريب منهم
, يسمع و يتحدث إليهم , دون وجود حواجز طبيعية .
و لن أسهب بسرد قائمة أمنياتنا , فهي أقرب ما ستكون إلى الخيال منها إلى
الحلم و الواقع بالنسبة إليهم , فيما لو
سمعوها او قراوا شيئاً عنها .
ما أتمناه حقيقةً , هو رؤية ذلك العهد , لأحدث أبنائي عن شكل المعاناة
الإجتماعية التي مررنا بها و كيف إنقرضت الطبقة المتوسطة من مجتمعنا لإشباع بطون
الطبقة الغنية .
لأحدثهم عن تلك القيمة الغالية للإنسان لدينا في ذلك الوقت , بينما كنا نشعر بأننا أسوأ ما نكون .
لأحدثهم عن كرامتنا التي كنا نحتفل بها في كل عام , بمناسبة معركة مجيدة حدثت
قبل قرن من زمانهم , و التي تختلف عن مفهوم و مضمون و شكل كرامتهم.
لأحدثهم عن عنف جامعي حطم نظام تعليمي كان لدينا يوماً ما , بناه ألاف
مؤلفة من أبناء هذا الوطن , وكان يتربع يوماً ما على عرش الصروح العلمية في عالمنا
العربي , تخاذل الديناصورات عن حمايته .
لأحدثهم عن المودة و الألفة و الرحمة التي كنا نعيشها في ذلك الوقت كمجتمع ,
رغم أنهم كانوا دوماً يذكروننا بأننا من
أصول و منابت متعددة , و لم يتخاصم أصل مع
منبت يوماً ما .
لاحدثهم عن عيون ساهرة , كيف كانت تسهر على سماع أصوتنا و قراءة كلماتنا و
محاسبة نوايانا , و تغسل أدمغتنا ببعض الإعلاميين المأجورين , و تسلط علينا
السحيجة الموجهين .
لأحدثهم عن تنمية سياسية و إقتصادية موعودة , يُعاد الحديث حولها مع كل
تغيير حكومي و نيابي .
لأحدثهم كيف كان الفاسد في وقتنا يتنفّذ و يُكافأ و يتقلّد المناصب , و
يقال عنه بأنه نموذج حقيقي للمواطنة الصالحة و المنتمية للوطن , بينما كان من يُكافح
ذلك الفاسد , يُزج به في السجن , و يُنعت
بالخائن و ناقص الولاء و الإنتماء , و بأنه مهدد لأمن الدولة و السلم الاهلي , لإثارته
النعرات الطائفية .
أتمنى حقيقة لمملكتنا الخامسة , أن تكون خالية من ضغوطات العدالة الإجتماعية
و التنمية السياسية و الإقتصادية و تستعين بخبراء و استشارات علم الإجتماع و النفس.
و خالية من الفساد و خالية بالطبع من الديناصورات , لأني لا أتوقع أن تكون هنالك
قوة على وجه الأرض , قادرة على إخماد بركان الضغط , بعدما حاول مرة الإنفجار دون
جدوى .
No comments:
Post a Comment